لبنان: البداية جيدة والمهمة شاقة

TT

على صدى قصيدة الشاعر ابو نواس:

«لي لذتان وللندمان واحدة ...شيء خصصت به من دونهم وحدي»

تملكني الاحد الماضي شعور بأنه كانت لي لذتان لا واحدة في انتخابات الرئاسة اللبنانية: لذة الفرحة بانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا توافقيا لكل لبنان...ولذة الفرحة بعدم انتخاب العماد الآخر، ميشال عون، رئيسا تصادميا لبعض لبنان.

فرحتيّ المزدوجتان لا تعودان الى دوافع شخصية بقدر ما تنبعان من شعور مغترب يتطلع الى يوم تنشأ فيه دولة في لبنان يستطيع ان يعود اليها بدون أن يذل ... دولة تبدأ، كما قال الرئيس المنتخب ميشال سليمان، «بتفعيل المؤسسات الدستورية» و«استقلال القضاء» واحترام «سمة الديمقراطية الاساسية» أي «تداول السلطة عبر انتخابات حرة» وعدم التغاضي «عن أي عبث بالامن والسلم».

على هذه الخلفية يصح القول إن البداية جيدة في لبنان...ولكن المهمة شاقة. لم يسبق لأي رئيس لبناني ان واجه، منذ اليوم الاول لرئاسته، هذا الكم الهائل من الاشكالات السياسية والمذهبية والاقتصادية المتراكمة والتي زاد من حدتها شلل الدولة على مدى السنوات الثلاث المنصرمة. لو لم تكن لهذه الاشكالات خلفيات إقليمية لهان التعامل معها في إطار الشعار اللبناني التقليدي لاحتواء الازمات بدون حلها: شعار «لا غالب ولا مغلوب».

ولكن عهد ترحيل الازمات اللبنانية تهربا من تسويتها سقط في شوارع بيروت ومرتفعات عاليه والشوف بعد ان بات «العامل الاقليمي» يتحكم بالقرار المحلي ويوجهه ـ وأقول العامل الاقليمي على اعتبار ان احتلال العراق حول الولايات المتحدة ايضا الى دولة اقليمية أخرى.

بالنسبة للبناني المغترب ـ الذي اعطاه الرئيس سليمان لفتة خاصة في خطاب القسم ـ تظل محاولة حزب الله حسم خلافاته السياسية مع اللبنانيين الآخرين بقوة السلاح سابقة يصعب تجاوزها في وقت بات فيه «العامل الاقليمي» يتحكم إلى حد كبير في مسار النزاعات اللبنانية.

على ضوء هذه الخلفية بالذات لم يعد احتكار السلاح من فئة مذهبية واحدة في لبنان يشكل خللا في موازين القوى السياسية الداخلية فحسب بل عامل ترجيح لكفة قوة إقليمية على قوة أخرى في صراع الآخرين على أرض لبنان.

والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل يبدأ عهد الرئيس ميشال سليمان بأرجحية ايرانية في السلطة يفرضها انتصار حزب الله «العسكري» في بيروت الغربية ويضمنها «الثلث المعطل» في أول حكومة تشكل في ظل اتفاق الدوحة... أم أن المردود السياسي السلبي لاجتياح بيروت والجبل مقرونا بعامل «تضارب المصالح» بين راعي المؤسسة العسكرية الشرعية والمسؤول الاول في لبنان، من جهة، والقيم المحلي على ميليشيا حزب الله، من جهة أخرى، سيؤديان إلى مرحلة شد حبال جديدة في لبنان؟

داخليا قد يكون من السابق لأوانه توقع استقرار العهد الجديد على معادلة إقليمية محددة قبل أن تحسم الانتخابات النيابية المقبلة موازين القوى السياسية والحزبية... وقبل ان تتضح الصورة النهائية لعملية التفاوض السوري ـ الاسرائيلي الجارية حاليا على تسوية تعيد الجولان الى الوطن الام. غير خاف أن أبعاد هذا التفاوض لن تقتصر، في حال نجاحها، على انهاء النزاع السوري ـ الاسرائيلي ولا على تبرير نزع سلاح حزب الله أو دمجه في المنظومة الدفاعية اللبنانية، ولا حتى على تقريب دولة «الممانعة» من الدول العربية الموصوفة بـ«المعتدلة».

الابعاد الطويلة الامد لهذه التسوية، في حال اتمامها، ستطال موازين القوى الاقليمية ايضا، فمهما قللت ايران من شأن تأثير المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية على علاقتها بدمشق لا تستطيع التقليل من الدور المحوري الذي تلعبه تركيا في هذه المفاوضات، ما يعني ان نجاح تركيا في انجاز التسوية السورية ـ الاسرائيلية من شأنه ان يمنح تركيا الورقة الإقليمية الارجح في المنطقة، وفي سورية تحديدا.

ومن نافل القول التذكير بان أهمية الارجحية الاقليمية التركية على الايرانية تكمن في خلفية تركيا كدولة اسلامية معتدلة، ديمقراطية وأطلسية، لا تؤمن ـ خلافا للدولة الصفوية الشمولية في طهران ـ «بتصديرالثورات»، من أي لون كانت الى دول المنطقة.