التقية على الطريقة الأميركية

TT

أحد الأشياء التي تحدث للأعداء عبر التاريخ هي أنهم بعد فترة يبدأون في مشابهة بعضهم البعض.

قد يكون هذا في شكل كاريكاتوري، لكنه مشابهة على أية حال. وليس جديدا أن البشر تعلموا عن طريق المحاكاة. فالأشخاص يفعلون كما يفعل الآخرون. ويسمي ذلك في علم النفس بالمحاكاة، وهي ميراث يشترك فيه الإنسان والقرود.

وفي العالم القديم كان الرومان والفرس أعداء لعدة قرون، ولكن انتهى بهم الحال إلى تقليد مظاهر شخصية الآخر. فالروم أنهوا جمهوريتهم وأقاموا الملكية، تقليدا للفرس. وأقام الفرس جيشا متخصصا، تقليدا للروم.

وقد قلد الأميركان الروس في بناء ترسانة عسكرية ضخمة، وهو الأمر الذي كان يتجنبه آباؤهم المؤسسون.

فهل ما نشاهده الآن محاكاة بين النظام الخميني في طهران والنخبة السياسية الأميركية؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال الآن، على الرغم من وجود بعض الإشارات لذلك بالفعل.

في عام 2005، أجرى محمود أحمدي نجاد حملته الانتخابية بالأسلوب الأميركي من إقامة الجولات الانتخابية وإلقاء الخطب في المناطق الريفية.. كان شعاره «إننا نستطيع!». وبعد عامين، ظهر في الولايات المتحدة شعار معدل: «نعم، إننا نستطيع!» وهو ما يتخذه السيناتور باراك أوباما شعارا لحملته.

وفي العام الماضي، شارك أحمدي نجاد في اجتماع يبث تلفزيونيا في جامعة كولومبيا في نيويورك مقلدا بذلك بيل كلينتون في أوائل التسعينات.

وهذا الأسبوع جاء أوباما والسيناتور جوزيف بايدن والسيناتور جون كيري بآراء في مقالات وحوارات توضح أنهم تعلموا «التقية» ويحاولون استخدامها ضد الجمهورية الإسلامية.

وتهدف التقية، وهي فن المداراة القديم، إلى تضليل الأعداء في الأوساط العدائية. فأنت تقول شيئا، ولكنك تعني نقيضه.

ولكن الأعضاء الثلاثة في مجلس الشيوخ يواجهون مشكلة. فالجمهورية الإسلامية تدرك أن بناء ترسانة نووية سيضمن لها عدم مهاجمتها في عقر دارها، مما يمكنها من ارتكاب ما تشاء في الخارج.

وهذا ما فعله الاتحاد السوفييتي بعد عام 1955. فبعد أن صنع قنبلته، ضمن أنه لن يهاجم في عقر داره، وحينها أظهر قوته أمام العالم.

وعندما زحفت الدبابات الروسية إلى وارسو وبودابست، كانت موسكو تعلم أنه لا أحد يجرؤ على التدخل خوفا من التسبب في استعمال القوة غير المتوقعة. وبحلول عام 1979، بدا الأمر وكأن الاتحاد السوفييتي يحقق ما وعد به خروتشوف من «دفن الرأسمالية» وسيادة العالم.

ويعلم المرشحون الثلاثة، الأعضاء في الكونغرس، أن قاعدتهم الانتخابية لا تحبذ الحرب. فمعظم الـ30 مليونا الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ليسوا مهتمين بالانتصار حتى في العراق. فهم يريدون إنهاء الحرب وليس الفوز فيها.

فإذا جاء أوباما الآن وقال لهم إن عدم التعامل مع الجمهورية الإسلامية الآن من المحتمل أن يعني كارثة أكبر فيما بعد، فسيصرخون في وجهه بعبارات الاستنكار والاستهجان وهو فوق المنصة. فهم لا يريدون سماع أخبار سيئة.

وفي الوقت نفسه، لا يوجد مرشح حقيقي للرئاسة لا يعترف بأن النظام الخميني يمثل مشكلة. وقد حاول أوباما أن يقول إن «إيران الصغيرة جدا» تنفق واحدا في المائة مما تنفقه الولايات المتحدة على الدفاع.

وكان عليه أن يتوقف عن قول ذلك عندما ذكّره البعض بأن القنابل الموضوعة على جانب الطريق المهربة من إيران إلى العراق والتي تبلغ تكلفتها خمسة دولارات يمكنها أن تقتل قوات المارينز الأميركية المزودة بأحدث المعدات المعقدة والتي تتكلف نصف مليون دولار.

فماذا تفعل إذا كنت تعرف أنك في خطر ولكنك لا تريد القتال؟

فإنك تستخدم التقية وتأمل في ما هو أفضل. فتقول إنك تريد إجراء محادثات مع أحمدي نجاد، ثم تقول: لا ليس هو، بل المرشد العام الأعلى علي خامنئي. ولكنك حريص على عدم ذكر ما تود التحدث عنه وما الذي ستقدمه في مقابل ماذا.

وفي الوقت نفسه، فأنت قلق من أن تتهم باسترضائهما، فتقول إنك ستستغل تلك المحادثات لإضعاف أحمدي نجاد ونظامه ككل.

وكان أكثر أمثلة التقية الأميركية هزلا هو ما فعله جون كيري. هل تذكره؟ إنه ذلك الرجل الذي كان مرشحا في الانتخابات الرئاسية عام 2004. ففي مقال له في جريدة «واشنطن بوست»، هاجم إدارة بوش لرفضها إجراء محادثات مع طهران، على الرغم من أن ذلك ليس حقيقيا.

ففي مايو (أيار) 2006، بعثت كوندوليزا رايس بدعوة علنية إلى طهران لعقد حوار بدون شروط مسبقة. وما زالت في انتظار الرد.

ولكن ما الذي يرغب كيري في أن يفعله في تلك المباحثات؟ فها هو ذاك الشخص الذكي الذي لا يريد أن يحل القضايا المشتعلة والتي قد تؤدي إلى الحرب بين النظام الخميني والولايات المتحدة.

فبعد أن كتب 800 كلمة ليحث على إجراء المباحثات، يقول: «إن إيران لن تهتم بما سنقوله؟». فلماذا نجري المحادثات إذن؟

يقول كيري: «إن جذب إيران سوف يثير ثلاث نقاط من شأنها أن تقوي من موقفنا». حسنا، بالرغم من أنه لم يقل ما المقصود من «موقفنا» وما إذا كانت الولايات المتحدة لديها موقف.

ووفقا لما ذكره كيري، فإن جذب إيران يمكن استخدامه من أجل:

1) عزل أحمدي نجاد داخل النخبة الحاكمة.

2) عزل النخبة الحاكمة داخل إيران.

3) عزل إيران داخل العالم.

فكيف يبدو هذا النموذج للتقية؟

قد يعتقد كيري أن أحمدي نجاد ورفاقه الخمينيين أغبياء كي ينجذبوا إلى مخطط يهدف إلى تفريقهم وإضعاف موقفهم داخل بلادهم وإلحاق الخزي بنظامهم أمام الساحة العالمية.

ويمكن للمرء أن يصف أحمدي نجاد بالعديد من الصفات، ولكن الغباء ليست إحداها.