لماذا أرامكو؟

TT

بعض المنتسبين للقطاع النفطي السعودي اعتبروا مقالي عن «البقرة المقدسة» هجوما على ارامكو البترولية جاء في غير محله وزمانه. في الحقيقة لم يكن هجوما، بل مناقشة املتها مناسبة مرور 75 عاما على تأسيس الشركة العملاقة، التي أخرج منها الاميركيون منذ عقدين تقريبا. اعتبروه نقدا قاسيا، لأن العملاق النفطي المدلل لم يعتد على ما اعتادت عليه الشركات والمؤسسات الحكومية من نقد مبرح كل يوم. وأنا اتفهم حساسية ارامكو، التي جعلتها تسير بجانب الحائط بعيدا عن المشاكل. فهي تريد أن تبتعد عن الأمراض وراء أسوارها، من تدخلات ووساطات ونفوذ سلبي وتسابق على الهيمنة على قراراتها، لذا حافظت على ابوابها مغلقة، وأسوارها عالية.

لكن لا يعقل، ولن تستطيع، ارامكو بعد ثلاثة أرباع القرن ان تستمر في السير بنفس الصيغة، شركة ضخمة تحتكر صناعة كاملة وخدماتها في سوق صغيرة، ثم تريد من الآخرين ألا ينتبهوا الى وجودها. ارامكو بالنسبة لزميلاتها في السوق، مثل فيل في مزرعة للأرانب، وتظن انها تستطيع ان تختبئ عن اعين الناس، هذا امر مستحيل ولن يستمر مهما ظن القيمون على الشركة العملاقة.

أما ما كتبته عن تطوير ارامكو، فاظنه مطلبا منطقيا من الشركة الاولى النفطية في العالم، والأضخم بشكل عام في السعودية. ننتظر منها مشروعا تطور به نفسها، ويطور المجتمع الذي يعاني من صغر مؤسساته ويحتاج الى تأسيس شركات كبيرة فيه، ولن تقوم شركات عملاقة جديدة بدون دعم ارامكو مهما حاولت الحكومة فعله. وعندما أطرح مفهوم تطوير ارامكو الآن فذلك لاسباب عديدة، فهذه المرة الوحيدة التي يكون فيها وزير البترول نفسه من ابناء ارامكو، ورئيس ارامكو ايضا من موظفيها، مما يجعل التطوير في أيد مؤهلة وقادرة على حمايتها، وضع قد لا يتوفر مستقبلا. كما أن ارامكو تعيش عصر البترول الذهبي، بسعر خرافي لكل برميل تنتجه. لذا هي في زمن يسهل عليها تطوير نفسها، وليست في أزمة تجبرها على تجرع اصلاحات سيئة، ومن يدري ما قد يحدث مستقبلا. التطوير ضرورة للناجحين قبل الفاشلين، خاصة بالنسبة لكيانات مؤثرة في المجتمع ومستقبل الاجيال، وهذا لا يكفيه إصلاح المباني وتوسيع الخدمات، بل يبحث في كل الخيارات. بإمكان مسؤولي البترول مع كبار الاقتصاديين استنباط افكار تناسب دولة تطمح الى ان تكون كبيرة في اقتصادها، لا عالة على بيع النفط الخام، وتشغيل العمالة الاجنبية. الطموح بتأسيس شركات بترول جديدة مماثلة وتمليك ارامكو اسهما فيها، بالامكان فصل عدد من خدماتها وتحويلها الى شركات مساهمة، ضروري طرح جزء من ارامكو للمواطنين كأسهم، فتعزز السوق بدلا من الدكاكين الصغيرة التي أكلت أموال الناس ولم تنفع المجتمع. هناك الكثير، والأهم ان تدرك ارامكو انها اكبر من مجرد منتج للزيت، دورها ان تساهم في تطوير السوق والمجتمع الاقتصادي تحديدا.

[email protected]