أعصاب

TT

خرج الرئيس كميل شمعون من القصر الجمهوري في القنطاري العام 1958 محاصرا بالبنادق والمدافع. ولما وصل أمين الجميل إلى الرئاسة وهو بعد في الأربعين ذهب إلى تهنئته، وقال له: عندي لك نصيحة واحدة: أعصاب. أعصاب. أعصاب.

وبقي أمين الجميل في القصر حتى اليوم الأخير من ولايته برغم القصف شبه اليومي الذي لم يبق من القصر إلا القبو. بعد ظهر السابع من أيار الحالي كنت مع زوجتي في السيارة. وكان المتصل آخر من أتوقع: الرئيس فؤاد السنيورة.

كنت قد تحدثت قبلها بأيام في برنامج تلفزيوني حول الدستور والديمقراطية. ورئيس الوزراء المحاصر في السراي يتصل ليشرح لي مفهوم الديمقراطية في لبنان، وهو مفهوم أقرب إلى تفسير المعارضة منه إلى موقف الموالاة. شرح وأفاض. ثم تبادلنا الأسئلة عن الأولاد والعائلة. وعندما ختم تطلعت إلى زوجتي وقلت لها، من أي فولاذ صنعت أعصاب هذا الرجل؟

ماذا تفيد الأعصاب؟ تفيد في انتظار التحولات. طوال الأعوام الثلاثة الماضية كان الجنرال ميشال عون يبحث كل يوم عن نعت جديد يصف به فؤاد السنيورة وحكومته: أكثرية وهمية. حكومة متسلطة. حكومة غير شرعية. وخصوصا «حكومة السنيورة». يوم الأربعاء الماضي أعلن عون أنه لن يسمي السنيورة رئيسا للحكومة لكنه يريد المشاركة فيها. ويريد منها حصة الأسد.

أوصى كميل شمعون بالأعصاب لأن أكثر خصومه العام 1958 تحولوا إلى حلفاء سياسيين للعام 1968. والذين كانوا ضده ومع فؤاد شهاب أصبحوا معه وضد فؤاد شهاب. وظل الرئيس رشيد كرامي يرفض حتى التحدث إليه ثم أصبحا معاً في حكومة واحدة. وعندما اغتيل كرامي قيل إنه كان على وشك أن يعقد مصالحة وطنية مع شمعون بعد يومين تؤدي إلى إنهاء الحرب اللبنانية.

تنفع قوة الأعصاب في إقناع الخصم بإلقاء سلاحه. وتسمى هذه في السياسة لعبة «العض على الأصابع». يخسر أولا من يصرخ أولا. عاد فؤاد السنيورة لكي يشارك معارضيه وخصومه، ولكي لا يؤكد بخروجه، ما كانوا يقولون عنه. صحيح أنه عاد بأكثرية نيابية عادية، لكن يجب ألا ننسى، أنه إلى بضعة أيام خلت، كان الرئيس نبيه بري لا يزال يرفض أن يدعوه، هو وحكومته، إلى حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. ابتسم، أنت في لبنان.