التطور الى الخلف والتقدم الشجاع

TT

تعبيرا التقدم progress ، ومشتقه تقدمي progressive يكثر اليسار من استخدامهما. التقدم، غير التطور Development وليس بالضرورة نحو الأرقى. فخوض جماعات محظورة قانونيا الانتخابات كحال جماعة الاخوان المسلمين في مصر، هو تطور في العمل السياسي. لكن تجهيزها لمليشيا سرية، ووصف مرشدها، مهدي «بن» عاكف، لقاتل ارهابي كأسامة بن لادن ببطل مجاهد لا يعتبره عاقل تقدما في المشهد السياسي المصري الذي خفض ليبراليه صوتهم في «انتقادهم الناعم لابن عاكف خشية تهمة نصرة الغرب «الصليبي».

مفارقات «التقدميين» البريطانيين اكثر افتضاحا من تطور بن عاكف للوراء، خصة ببغائيتهم للتعاويذ الايدولوجية، كالبيئة ومعاداة الامريكية ومناهضة العولمة.

رئيس الوزراء غوردون براون ووزير ماليته اليستار دارلينغ يواجهان ضغوطا لتاجيل زيادة ضرائب بنزين السيارة (فاق سعر الجالون 11.5 دولار) ورفع رسوم رخصة السيارات القديمة (معظمها لاصحاب المعاشات واسر فقيرة لا تملك ثمن سيارة يقبلها اليسار «بيئيا» ارخصها 29 الف دولار)؛ خاصة وازمة السيولة النقدية شردت مئات الاسر لعجزها عن دفع اقساط المنزل .

صحيفة الاندبندنت، كمعقل لليسار الليبرالي في فليت ستريت، خرجت بعناوين تحذر الحكومة من «خيانة البيئة» وتطالب بزيادة ضريبة البنزين ورخصة السيارة. الغلاء وزيادة التضخم يزيدان البطالة، وبدورها تضر البيئة؛ فالثابت علميا ان الميسورين، ينتهجون اسلوب حياة اكثر حفاظا على البيئة من الفقراء الذين تراجع اهتمامهم بالبيئة امام هم اطعام الاسرة .

الغارديان، الاكثر تجذرا في ارض اليسار، صرخت صباح 21 مايو: «انتصار التقدمية».. ابتهاجا بتصويت اغلبية برلمانية (معظمها عمالية) برفض تعديل مشروع قانون الخصوبة الانسانية والأجنة . التعديل كان سينقص الحد الاقصى لاجراء عمليات الاجهاض من 24 اسبوعا في عمر الجنين الى 22 اسبوعا؛ ويلزم المراكز الطبية للخصوبة بالتاكد من وجود «رجل مسؤول كقدوة أبوية للطفل» في حياة طالبة الحمل قبل عملية التخصيب بلقاح الخلايا الذكرية (من متبرع مجهول). هنأت الغارديان، وهي الكتاب المقدس لليسار، النواب بإبعادهم «شبح الرجعية عن اروقة مجلس العموم وتهديده للتصحيح السياسي political correctness» .

كيف يكون تجميد قانون عمره عقدين تقدم اثناءها الطب بقفزات مذهلة، تطورا نحو الارقى؟

كان تقدم الطب في مجال الاجنة وراء تخفيض مجلس العموم 1990 الحد الاقصى الى 24 اسبوعا من 28 اسبوعا حددها قانون الاجهاض الصادر في الستينات بعد ازدياد الوفيات بسبب تردد النساء على عيادات غير قانونية بعيدا عن الرعاية الطبية .

استشهد طالبو التعديل بامهات حقيقيات ـ تجاهلهم اعلام اليسار ـ كن اخترن الاجهاض، فحكين نزول الجنين «المجهض» حيا واللوائح ـ التي لا تعتبره «انسانا» له حقوق يحميها الميثاق العالمي ـ لا تسمح بالتدخل لانقاذه «احتراما لحق المرأة في الاختيار، (شعار اليسار والحركة النسوية feminism» حرية المرأة في اختيار مصير ما تحمله»).

حكيت الام وراء الاخرى مدى تشبث المولود (الاصغر من كف اليد) بالحياة حتى تدخل طبيب لإنقاذه ضاربا باللوائح عرض الحائط . الصحف المحافظة كالتلغراف والديلي ميل نشرت صورهن مع اولاد يافعين في المدارس والجامعات كانوا يوما «اجنة» مجهضة، لكن غريزة البقاء والحياة تفوقت على شعار اليسار «حق المرأة في الاختيار».

اصحاب الاشتراكية العلمية والمادية الجدلية رأوا تعديل القانون بناء على أدلة طبية ثابتة عن قدرة المستشفيات اليوم ابقاء الاجنة على قيد الحياة، احيانا بعد وفاة الام الحامل في حادثة، استحضارا «لشبح الرجعية» في أروقة البرلمان!

بصرف النظر عن اعتبارات اخلاقية او انسانية، واستنادا الى العلم فقط، اي الموقفين اكثر تقدمية: تعديل القانون ليتمشى مع اكتشافات الطب وامكانياته؟ ام التشبث بالايدولوجية اي التحمس عاطفيا لعقيدة واغفال قدرة العقل على التكيف مع متغيرات الانجازات العلمية؟

اجهزة التصوير الصوتية الحديثة اثبتت ان الأجنة في عمر 12 اسبوعا فقط ، تستجيب للاصوات الخارجية وتحس بالالم وتعبر عن انفعلاتها. وربما مع تقدم حساسية الاجهزة نكتشف يوما ان الجنين المكتمل، وهو في حجم عقلة الاصبع، انسان يحس بما نحس به جميعا .

كيف يستوي منطقيا رفض نواب اليسار عقوبة الاعدام (لتناقضها وميثاق حقوق الانسان) مع تصويتهم «بإعدام» جنين حي ؟

المجتمع يوفر للقتلة، بمن فيهم ارهابيون من اتباع بطل ابن عاكف هيئة دفاع (تدفع الخزينة العامة أتعابها) «ليلقوا محاكمة عادلة»؛ فمن هو محامي دفاع جنين لا يزال سجين رحم ام «اختارت»، حسب حقوقها النسوية، اعدامه دون محاكمة؟

واذا كانت الاحصائيات العلمية على مدى ثلاثين عاما اثبتت التفوق الذهني والدراسي والاستقامة الاجتماعية للاولاد الذين يشبون لأسر مستقرة من اب وام يعتبران قدوة مثلى، على اقرانهم الذين تعرضوا للانحراف واغلبهم من اسر مفككة بسبب الطلاق او غياب الاب؛ فكيف تفسر رفض نواب اليسار تعديل القانون بإلزام عيادات الخصوبة بالتاكد من وجود رجل كقدوة ابوية للطفل؟

تراجع النواب جبنا واستكانة امام الهجمة الايدولوجية لليسار. ومثلما اخرسهم ترديد النسويات ببغائيا «حق المرأة في التصرف في جسمها»، ساروا وراء القطيع خشية تعرضهم لاتهام منابر اليسار (الغارديان والاندبندنت والديلي ميرور والبي بي سي والقناة الرابعة) باعادة عقارب ساعة التصحيح السياسي للوراء. نص التاكد من وجود اب في حياة الطفل، فسره اليسار بانتهاك حقوق المثليين جنسيا، وبالتفرقة في المعاملة بين اسرة من رجل وزوجته، واخرى من امرأتين مثليين متعاشرتين تريدان طفلا بلقاح من مجهول دون دور للاب في تنشئته.

فلنرفع القبعات احتراما لزعيم المعارضة دافيد كاميرون الذي خاطر باتهامات الاعلام له بالرجعية وصوت لما في صالح المجتمع بضرورة وجود الاب لتنشئة الطفل، وبالدفاع عن حق الجنين ضد الاعدام بلا محاكمة؛ ولنرفع القبعات للزملاء المعلقين الذين لم ترهبهم هتافات معاداة الغرب «الصليبي» فقالوا لابن عاكف «طز» في بطلك الارهابي ابن لادن.