اتفاق الدوحة دلالة على نجاح رهان دول الاعتدال

TT

ما حدث في الدوحة من اتفاق بين الفرقاء اللبنانيين دلالة على نجاح رهان دول الاعتدال بالتمسك بالسياسة التوافقية في حل ملفات المنطقة، كيف؟!

كانت دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية ومصر، تطالب القوى الخارجية ومنذ فترة ليست بالقصيرة برفع يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد أو ذاك، وكانت ترى في لغة التصعيد خطرا على استقرار الإقليم، محذرة من استغلال تلك القوى ملفات المنطقة، إما للمساومة أو المقايضة، وهو ابتزاز فاضح ومشين، وذلك بأن يستخدموا حلفاءهم لمصلحتهم الذاتية دون أي اعتبار آخر.

ولعل من تابع، على سبيل المثال، التسوية الدبلوماسية الأخيرة بين إيران والغرب، وما احتوته من حوافز مغرية، يلحظ أنها ارتهنت إلى لغة جديدة لم تكن معهودة من قبل، فسياسة الاحتواء المزدوج وأسلوب العصا والجزرة وخطابات التهديد يبدو أنها إلى التلاشي اقرب، فالغرب يدعو إلى الحوار، وبسلة مليئة من الضمانات، في حين ان إيران لم تسعها الفرحة وهي تشعر بأن ما راهنت عليه من حيث استغلالها لتدخلها في قضايا المنطقة، قد أتى أُكله، ولكن أليس هذا هو عالم السياسة! إذن، هي مقايضة، أو هكذا تبدو، تتمثل في تعاون إيراني في الملفات الملتهبة كالعراق مقابل اعتراف دولي (أميركي) تحديدا بالجمهورية الإيرانية الإسلامية واستبعاد الخيار العسكري أو إسقاط النظام.

وبالعودة لاتفاق الدوحة، نجد ان جهد اللجنة العربية، كشف عن رؤية محور الاعتدال حيث التأكيد على تحييد لبنان وإخراجه من أزمته وبسط سيادة الدولة والرهان على الحوار والتوافق.

ويبدو أن هنالك مناخا بات يتشكل باتجاه انفراج سياسي في المنطقة بعد حالة انسداد الأفق في السنوات الماضية، وإلا كيف نفسر تجاوب إيران مع الحوافز الأخيرة وتغير لغتها وأسلوب تعاملها ؟، وفي أي سياق نضع إعلان بدء المفاوضات السورية الاسرائيلية وبوساطة تركية، وفي هذا التوقيت بالذات؟ وكيف نفهم أبعاد الهدنة والتهدئة ما بين حماس وإسرائيل عبر الوسيط المصري ؟ تساؤلات مشروعة عن التوقيت والمغزى.

ولعل هذا المناخ يؤكد صحة رؤية دول الاعتدال ـ إن جاز التعبير ـ في أن لغة التصعيد والتهديد لا تجدي، كما أن التعنت السياسي وعدم الانصياع للقرارات الدولية لن يؤديا إلى نتيجة أيضا، ويبدو أن هذا ما أدركتاه إيران وسورية أخيرا، فشعرتا انه قد آن الأوان لمنحى سياسي جديد، يتعاطى ويتفاعل مع المناخ الإقليمي والدولي، يتمثل في الانفراج والانفتاح وتقديم التنازلات، بدلا من الرفض ولغة التصعيد التي لم تعد عليهما بشيء سوى الانعزال والتقوقع .

على أن ما حدث في الدوحة هو بلا شك انجاز مهم وخطوة تصب في ترسيخ السلم الأهلي، وجاءت في لحظة حاسمة ومهمة، ومن باب إعطاء كل ذي حق حقه، نقول إنه لم يكن ليتحقق هذا الاتفاق لولا تكاتف الجميع وتضافر الجهود، وأعني بهذا اللجنة العربية وجهود الأمين العام في الجامعة العربية التي كرسها عبر زيارات مكوكية في الشهور الماضية، وتهيئة الأجواء من قبل دولة قطر، ودعم السعودية ومصر، فضلا عن التدخل الايجابي للأطراف الأخرى التي وظفت الاتفاق في سياق المناخ العام الذي ذكرناه آنفا وهو ما يتعلق بتقاطعات ملفات المنطقة والمفاوضات التي يجريانها (ملف إيران والغرب، سوريا وإسرائيل).

على أن المقام هنا ليس للتقليل من اتفاق الدوحة ولا حتى التضخيم منه وتهويله، وإنما قراءة موضوعية لأسباب نجاح هذا الاتفاق، لان بعض الكتابات التي نشرت أشارت إلى التقليل من قيمة الدور السعودي، وان قطر سحبت البساط منها وغيرها من أقوال مستهلكة للاصطياد في الماء العكر.

ومن يعرف بواطن الأمور، يعلم أن الدور السعودي كان داعما ومفصليا للتوصل للاتفاق، ولولا الدعم السعودي والمصري لسير المفاوضات لم تكن اللجنة العربية لتنجح، كما قال سعد الحريري. كما أن العلاقات السعودية القطرية تعيش الآن وضعا جيدا رغم اختلافات وجهات النظر في بعض الأمور.