عمرو موسى.. والقضايا الأخرى

TT

تنفس العرب الصعداء واختار اللبنانيون رئيسهم وها هم يقرون برئيس وزرائهم أيضا، وعادت حجوزات الفنادق والطائرات والسيارات إلى معدلاتها المرتفعة، ويبدو أن السلام حل على لبنان (على الأقل للشهر المقبل!) ويبدو أن اتفاق الدوحة قد أثمر نتائج إيجابية حتى الآن، وإن كان قد قيل عن اتفاقات الطائف والقاهرة و... و... نفس الكلام من قبل فيما يخص الأزمة اللبنانية ومشاكلها وحلولها المقترحة (يبدو أن هناك 19 دولة عربية أخرى قد يكون لها فرصة أن تعقد اجتماعات واتفاقيات في مدنها لصالح الأزمة اللبنانية أيضا). ولقد أنهك أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى نفسه في مباحثات ماراثونية لأجل الوصول لحل مقنع بين أطراف قضية لبنان ونجح أخيرا في ذلك. إلا أن هناك عربا آخرين يستغربون ويندهشون من «التركيز» الكبير على القضية اللبنانية على حساب قضاياهم هم. فالسودانيون يستغربون صمت جامعة الدول العربية والدول الأعضاء فيها عن خطورة ما يحدث والتطورات السلبية، وعدم مبادرة أي أحد فيهم للتوسط بين الأطراف المتناحرة وتقديم مبادرات للحل. وما ينطبق على السودان ينطبق بشكل كبير على الوضع في الصومال، الذي انقسم فعليا واستقل الجزء الشمالي منه عن باقي البلاد ومضى على هذا الوضع المأساوي سنوات ليست بالقليلة، وبطبيعة الحال لا يمكن إغفال ملف الصحراء الغربية، وملف القضية بالكامل انتقل إلى مجلس الأمن وتوابعه من منظمات وقرارات دولية قد تؤزم الوضع بدلا من أن تحله. واليوم يزداد الوضع في اليمن تأزما واختناقا في ظل مواجهات بين الحكومة وجيشها وبين الحوثيين وطلبتهم في الجبال. هذا من دون الدخول في ملفات الخلافات الباردة ولكن المهمة ما بين بعض الدول العربية وبعضها والتي تؤثر سلبا على قضايا إقليمية وجوهرية أخرى بشكل لا يمكن وصفه إلا بالخطير. وعليه فإن كل هذه الملفات المشتعلة يستغرب أن لا تلقى نفس القدر والاهتمام والمتابعة الذي يلقاه الملف اللبناني العتيد (والذي يجيد اللبنانيون تسويقه بشكل لافت). فاللبنانيون تمكنوا من إقناع العرب أنهم مركز الكرة الأرضية، وأن مختار «ضيعة» في الأرز إذا لم ينجح في انتخابات يصوت فيها 15 شخصا فهو لم ينجح «لانو أمريكا ما بدا ياه!» ولكن طبعا هذا هراء، فاللبنانيون باتوا مطالبين بحل مشاكلهم بأنفسهم قليلا، فلديهم ما يكفي من أحزاب ودساتير واتفاقيات وإعلام وطوائف تجعل من حياة مدنية وديمقراطية ومؤسساتية ممكنة وقابلة للتحقيق (إذا ما رغبوا في ذلك حقيقة)، وليست دول كسنغافورة وسويسرا وغيرها أفضل من لبنان في تمكنها من التعايش مع التنوع العرقي والديني، ولكنه القانون الذي يجب أن يطبق على الجميع في بلد بات فيه المال والحزب أهم من الوطن. هناك إحساس بالملل في العالم العربي من القضية اللبنانية التي احتلت العناوين (بطعم وبلا طعم) على حساب ملفات أهم، وعليه فإن جهد الجامعة العربية وأمينها العام بات مطالبا بأن يكون لصالح القضايا الملحة الأخرى.

[email protected]