السلجبيات الكويتية والتشاؤل اللبناني

TT

على عكس الانجليزية ولغات أوروبية أخرى، قليلة هي الكلمات التي تسك في العربية من كلمتين أو أكثر، لعل أشهرها تلك التي سادت حول الحل السلمي بعد القبول بمشروع روجرز عام 1968 وهي كلمة «لعم» ـ أي لا هي بلا ولا هي بنعم. وكلمة برمائي التي فقدت الحدود بين الكلمتين وبدت ككلمة واحدة...

تحدثت قبل أيام في ندوة عامة عن نتائج الانتخابات الكويتية في ضوء نظام الدوائر الخمس الجديد. واخترعت كلمة «سلجبيات» وهي مزيج من السلبيات والإيجابيات مع احتفاظي بحقوق الاختراع. ليست هذه تأليفي الأول فلقد ألفت كلمتي «سنيعي» (سني+ شيعي) وتحلال (تحرير+ احتلال).

ومن الكلمات المسكوكة والمعبرة كلمة «تشاؤل» والتي تمزج بين التشاؤم والتفاؤل. لا أعرف من اخترعها واستعملها، ولكنها تختزل الترقب والمتابعة، وربما التفاؤل المشوب بالحذر والريبة هذا هو رأيي في الاتفاق الذي وقعه الإخوة «الأعدقاء» (وهذه مسكوكة أخرى) في الدوحة قبل أيام وبدأت ترجمته العملية بانتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان وبتسمية رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وقت كتابة هذا المقال.

إن تشاءمت، فللتشاؤم ما يبرره، وإن تفاءلت، فقد يكون للتفاؤل مبرراته أيضا.

مصدر التفاؤل أن الاتفاق كان عربيا بامتياز ـ على الأقل علنا ـ وهو ما يسجل بالاعتزاز لدولة قطر وقيادتها ودبلوماسيتها بالدرجة الأولى لأنها استضافت الأطراف للتوصل للاتفاق. كانت دولة الإمارات العربية وجامعة الدول العربية حاضرة طيلة النقاشات. حضور الجامعة شكلي، وحضور الإمارات كان مهما.

التفاؤل يحدوه الأمل بالإجماع ـ المعلن أيضا ـ بين كافة الأطراف اللبنانية والخارجية ـ إقليمية وعربية. حضر انتخاب الرئيس اللبناني وزراء خارجية السعودية وسوريا وإيران ومصر وفرنسا وأمريكا وأوروبا وغيرهم. هذا يعني أن إجماعا دوليا يدعم الاتفاق، وهو أمر يدعو إلى التفاؤل.

ولكن للتشاؤم أسبابا أكثر من التفاؤل، أولها أن الفرقاء الذين تسببوا بالأزمة لا زالوا هم اللاعبين الذين «توافقوا» على حلها. فما الذي تغير من معطيات على الساحة اللبنانية غير تهديدات اللبنانيين لسياسييهم عبر الرسائل الهاتفية: «إذا ما اتفقتوا، لا ترجعوا». وهو تهديد ما كان للرعاع الذين أغلقوا مطار بيروت أن ينفذوه بمنع عودة الساسة من الدوحة لو لم يتفقوا.

كما أن من أشعل الفتنة والاقتتال الداخلي في غرب بيروت لا زال يخطب بالناس ويهز سبابته مهددا ومتوعدا ومعلنا بلا خجل أو وجل أن مرجعيته في إيران، ولا زال سلاح حزب الله يملأ الحواري والجبال اللبنانية وسهل البقاع. فمن أعلن أن مرجعيته غير لبنانية، يعني أنه يخضع لحسابات غير لبنانية، وهذه نتيجة لا تحتاج إلى عناء وتفكير وجهد. وهي نتيجة تعني أيضا أن حسابات الخارج سيكون لها أولوية على حسابات الداخل. إذن فالمسألة مسألة وقت قبل أن تتبدل الأولويات، وتتغير المعطيات.

مصدر التشاؤم أيضا، أن المحاصصة الطائفية في السياسة اللبنانية لا تزال معيار «التوافق»، وهذه الطائفية «المقننة» تعني أن الانفجار قادم عاجلا أم آجلا، ومن له اليد الطولى في لبنان ـ أي حزب الله ـ مفهوم عنه بأنه طائفي بامتياز، وكل عمله السياسي يترجمه خصومه ضمن فهم الأجندة الطائفية.

صحيح أن الفرقاء اللبنانيون ـ دون استثناء ـ مسؤولون عما جرى من خلاف واختلاف، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على من استعمل السلاح ضد أبناء شعبه.

الخلطة السياسية التي قادت إلى الأزمة لا زالت قائمة، وإسرائيل معضلة مزمنة، وإيران «بلوى» طارئة، والجيران حسبما يميل بالمصالح الميزان.

الوضع في لبنان يدعو إلى «التشاؤل»، وإن كنت شخصيا أعتقد أن الوقت والمؤشرات لصالح الشين والميم، وليس في صالح الفاء واللام.