«سلمان بن عبد العزيز: الجانب الآخر»

TT

ادعى الصحافيون العرب في العقود الماضية أنهم أكثر من عرف الأمير سلمان بن عبد العزيز. فقد شعروا بأن لهم خصوصية عنده، يناقشهم بعمق واهتمام في ما ينشرون وما يكتبون وما يعدون، حتى بدا لبعضهم أن أمير الرياض يصرف معظم وقته في متابعة الصحافة.

حيرني كتاب «سلمان بن عبد العزيز: الجانب الآخر» (1) للأستاذ زين العابدين الركابي. أي «جانب آخر» في الرجل؟ تنتهي إلى أن كل فريق منا عرف جانبا معينا من شخصية سلمان بن عبد العزيز. «فالمفكر» الذي رافقه الركابي هو المثقف الذي عرفه الصحافيون وهو الباني الكبير الذي عرفته الرياض منذ 50 عاماً، أمضى شبابه في تأسيسها، وعزه في تكبيرها، ويمضي سنوات الحكمة والخبرة، في توطيد الأسس وتمتين المؤسسات وتثبيت القاعدة الأولى للعمل: التطوير في ظل الإرث والتعمير في ضوء المستقبل.

يدور كتاب زين العابدين الركابي حول الشخصية الفكرية في سلمان: سعة الصدر في النقاش، والغلبة في سعة المعرفة. التبصر في معارف العالم كسبيل للدلالة على معرفة الذات. وتقبل الجدل من أجل تثبيت الفكر الإيماني. وهنا، بحسب الركابي، لا يعود المفكر مؤمناً فحسب، بل هو على نحو خاص، مؤتمن على ما ورث في الإرثين: الحراسة على الرسالة، وزارع في الأرض. هكذا فهم حياته كفرد، وهكذا يطبق مهمته وواجبه كمسؤول عن مدينة نمت في ظله من عصر المحدوديات إلى زمن العواصم الكبرى.

يتجاوز الركابي، بعفوية ملزمة، الجانب الفكري، إلى الأمير العمراني، وأمير التفاصيل، من عدد الشوارع إلى عدد مخارجها. وأي نوع من الهندسة يشجع ضعاف النفوس على الجريمة، وما هو عدد السنين التي يجب حسابها في التخطيط للتوسع، وما هي نسب المواقع الأمنية والصحية والإطفاء. وكيف يتم التوسع من دون التعرض لمستلزمات المناخ البيئي.

لا تطول سير رجال الخير لأنها حافلة بالأعمال لا بالأحداث. ونصف القرن الماضي من إمارة الرياض يبدو وكأنه حدث واحد: نموذج الرجل العامل بأرقى مشاعر المسؤولية في أرقى مظاهر التواضع. لا يزال سلمان بن عبد العزيز يقود سيارته إلى مقر الإمارة كل يوم، غالبا قبل موظفيه. ولا يزال يغادر الإمارة، غالبا، بعد معظمهم. يتفقد الرياض وأهلها ويزور مستشفياتها وبسطاءها. وما زال الصحافيون العرب يعتقدون أن لا عمل له سوى المتابعة السياسية. تلك هي قدرته في تنظيم الوقت.

(1) صدر حديثاً عن دار العبيكان