«قبائل»

TT

لم يعد من الممكن قياس «الانتماء» في عالم العولمة حاليا فقط بهوية الدولة التي يحملها الإنسان ولا بالمكان الذي يسكن فيه، فاليوم يتم تعريف الانتماء بطريقة أشبه بالقبائل، فهناك قبائل «الفيس بوك»، ذلك الموقع المؤثر والمتنامي على شبكة الإنترنت، وهناك قبائل «قهوة ستاربكس»، نسبة لمحلات القهوة المشروبة والتي جعلت من تناول مشروب القهوة البسيط ثقافة متكاملة، وطبعا هناك العشرات من الأمثلة التي يمكن تقديمها والتي تصب جميعا في نفس الاتجاه ونفس الهدف. وهذه «القبائل» لها دور شديد الحيوية والفعالية في اختراق الحدود وتكوين هويات «جديدة» ومغايرة تجعل الروابط بين أفرادها بنفس درجة الانتماء والتواصل بين أفراد البلد الواحد، وهذه «القبائل» تؤثر بسرعة خيالية على وضعية العرض والطلب في اقتصاديات العالم، وتفتح أسواقا وتنجح منتجات لم تكن بالضرورة ممكنة أو مرغوبة في السابق، وكذلك في تقديم معايير ومقاييس جديدة ومهمة لم تكن موجودة من قبل، وبالتالي يتم تغيير قواعد اللعبة من جديد برغبة الحلقة الأضعف ولكن الأكثر عددا. وهذه القبائل ترفع سقف وسائل التأثير (وإن كانت بصورة غير مباشرة وعشوائية نوعا ما) وذلك عبر مؤسسات ومنظمات عالمية مثل السلام الأخضر، ومنظمة التجارة العالمية، واللجنة الأولمبية الدولية ومنظمة حقوق الإنسان وغيرها. كل هذه الهيئات تلعب دورا بالغ التأثير في استحداث سياسات وتشريعات عبر قوى الضغط المؤثرة التابعة لها، فكان لها نتائج جادة في مجالات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. وسيظهر حراك هذه «القبائل»، التي تتبع في ولائها أعلاما وشعارات وأحزابا متباينة.. سيظهر أكثر مع ازدياد وتشكيل الانتهاء من العمل المؤسساتي التابع لها، وستساعد هذه القبائل على تحقيق المكاشفة والشفافية وكشف المخالفات بعد أن ثبت فشل وانعدام فعالية الأجهزة التقليدية المعنية بمسائل كهذه. و«القبائل» مع ازدياد سلطتها وفعاليتها ستساهم بشكل ملموس وواضح في إزالة كل أشكال السيادة للدول، وتقديم نموذج «عولمي» جديد يصبح هو الخيار الملزم وهو المرجعية المتفق عليها.

سبحان الحق عز وجل في وصفه الحكيم بالقرآن الكريم حينما قال «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» وهذا هو أعظم أنواع المعرفة، معرفة الحقوق والواجبات، وجعل منظومة التواصل تتحقق فعليا.

[email protected]