الفنان التبليغي محمد عبده

TT

حوارات المطرب محمد عبده «الدينية» المثيرة في الفضائيات هذه الأيام، ذكرتني بلقاء لي معه وهو في عز شبابه وفورة شهرته في مسجد صغير قرب قرية صلبوخ، حوالي 60 كم شمال العاصمة السعودية، وذلك قبل أكثر من 25 عاما وكان يصطحب حينها أسرته في جولة استجمامية قصيرة في الريف المجاور لمدينة الرياض، رأيت هذا الفنان الشهير وهو يتوضأ ويحسن الوضوء ثم يصلي معنا، شدني هذا المنظر وأنا فتى يافع فانتظرته خارج المسجد بعد الفراغ من الصلاة لأتحدث معه، سلمت عليه فهش وبش، وكان مما جاء في حديثي الطويل معه، أنني قلت له إنني مسرور أن فنانا مشهورا مثلك لم تحجبه شهرته وانشغاله بأعماله الفنية عن أن يؤدي فروض الصلوات في وقتها، وأنا أشد على يدك للاستمرار والمواصلة، قال لي: هذا شيء طبيعي ولازم تعرف إن كل البشر الملتفين حولي والشهرة والفلوس مآلها إلى زوال وتبقى بركة مثل هذه الصلاة، وجهت له الدعوة لزيارتي في الرياض، فما استطاع واكتفى حينها بنشر خبر هذ المقابلة في جريد «الرياض».

في لقائه الأخير في «إضاءات» مع الصديق المضيء تركي الدخيل على قناة العربية، لم يخف المطرب السعودي محمد عبده تأثره وإعجابه وقربه من جماعة التبليغ، التي نشأت في شبه القارة الهندية وانتشرت في بقية العالم الإسلامي، حيث يعرف عن هذه الجماعة السياحة والتجوال في قاصي الأرض ودانيها لغرض الدعوة، كما تشتهر بانتهاج أسلوب اللطف واللين مع المدعوين مهما كانت درجة المعصية، وهذه الجماعة مثلها مثل أي جماعة أخرى لها إيجابيات وعليها مآخذ، وبيت القصيد هنا أنهم استطاعوا بطريقتهم الدعوية الرقيقة من الوصول إلى قلب هذا الفنان المشهور، وهم وإن لم يصلوا إلى هدفهم النهائي وهو إقناعه بالاعتزال بسبب رأيهم بحرمة الموسيقى، إلا أنهم حققوا عدة مكاسب، منها تشجيع قناعات هذا المطرب مثلا بحظر حفلاته من الخمور أو النأي بأغانيه عن الفيديو كليب، الذي حول الأغاني إلى كرنفالات تافهة تتقصد العري وتستهدف استعراض المفاتن وتهييج الغرائز، علما بأن محمد عبده أكد في مقابلته في إضاءات، أنه وإن كان يأخذ بفتاوى تجيز الموسيقى إلا أنه يقدر ويحترم من يأخذ بفتوى التحريم.

لكم أن تقارنوا بين تلطف هذه الجماعة الدعوية مع الفنان محمد عبده واستيعابهم له وترفقهم معه، وبين موقف آخر شهدته شخصيا مع الفنان الكوميدي الشعبي عبد العزيز الهزاع، حين حضر في الرياض حفل تكريم لشخصية علمية دعوية معروفة في السعودية، فقد تعرض حينها لتوبيخ علني عنيف، مع أن عبد العزيز الهزاع فنان شعبي ينقد المظاهر السلبية في المجتمع ولا تحمل حلقات مسلسله الإذاعي الشهير «أم حديجان»، الذي يقوم بجميع أدواره أية رسائل ذات بعد أيدلوجي، وحتى لو فرضنا أن للرجل أكبر السقطات فيكفي أنه حضر هذا الاجتماع الذي ضم لفيفا من كبار الدعاة والمفكرين، فهذه فرصتهم للتقويم والتغيير.

نحن بحاجة ماسة في هذا الزمن بالذات إلى من يرفق بالناس مهما كان حجم أخطائهم وزلاتهم، كما رفق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأعرابي الذي رآه يبول في المسجد النبوي الحرام، فهم بعض الصحابة أن يزجروه، فقال الرسول: «لا تزرموه» يعني: اتركوه لا تقطعوا عليه بوله، فتركوه حتى بال، ثم إن الرسول دعى الأعرابي، وقال له بلطف: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر». فأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلو من ماء، فصبه عليه.

ثمة حاجة إلى أمثال هذه اليد الحنون التي امتدت لتغسل النجاسة، وإلى أطنان من الماء تصب بلطف على أخطاء الناس وتغسل بشفقة بدل تنفيرهم، أو دفعهم إلى ارتكاب أخطاء أكبر.

[email protected]