الفصل الحقيقي

TT

ما زال المشهد سوريالياً. أي ان علاقته بالحقيقة مقلوبة أو مشوهة. ولم يغفر سعيد عقل لبيكاسو انه شوه الجمال ووضع العيون مكان الانوف والانوف في اخمص اخمص الاقدام. وهذا هو المشهد في لبنان، معروضا بالالوان على كل الشاشات: المتقاتلون والمتحاربون والمتناعتون يبتسمون ابتسامة موحدة في استقبال فؤاد السنيورة، موزع الحقائب وبائع المفاتيح.

بعض الجماعات تسمي الرجل الذي تريده وبعضها تسمي الحقيبة. قبل ايام فقط كان قد مضى على فؤاد السنيورة ثلاث سنوات وهو محاصر في السراي بالاسلاك الشائكة. حتى خطبة ابنه لم يتمكن من اقامتها في منزله العائلي. وها هو اليوم يتنقل تستقبله ابتسامات الابتهاج. وذهب الجنرال ميشال عون خطوة أبعد من ذلك فقدم لرئيس الحكومة البتراء غير الشرعية ممثلة الاكثرية الوهمية والواوية والسحالي، فقدم له زهرة غاردينيا. وهذا موسم الغاردينيا في لبنان، يملأ بيروت عطرا لكنه لا يطول اكثر من اسبوعين. بعكس مواسم الحروب وموت الشبان الذين ينتهون صورا معلقة على اعمدة الكهرباء.

من اجل ماذا؟ من اجل موسم الحقائب، فارغة او مليئة. المهم ان ترافقها نمرة حكومية ولقب تفاخر به المدام امام صديقاتها وبوابي الفنادق. سألت مرة الراحل طارق المؤيد، لماذا لا تعطي الوزراء نمر سيارات معينة، فقال: دعني اسألك لماذا يجب اعطاء الوزير لوحات مميزة؟ يجوز هذا الكرنفال الحقائبي في الايام العادية. لكن لبنان لم يخلع بعد ثوب الحداد. والبيوت التي احرقت لم ترمم بعد. واصوات المدافع والرصاص لا تزال تئز في آذان الناس، فلماذا هذه الابتسامات الغليظة وانياب النهم, لكن، هل هي مسؤولية السياسيين والتجار والدجالين المحترفين ام هي مسؤولية الاغبياء الذين يموتون من اجلهم؟ هل هي مسؤولية السياسيين الذين يعرفون على ماذا يتقاتلون، ام مسؤولية المجرمين الذين لا يعرفون لماذا يقتلون ـ بفتح الياء ـ والاغبياء الذين لا يعرفون لماذا يقتلون ـ بضمها ـ؟

اذا لم يقر مريض النفس بمشكلته لا يمكن ان يطلب علاجا. على اللبنانيين، جميعا، ان يواجهوا حقيقة الرخو الوطني الذي يعانون منه. ثمة معضلة كبرى، هي هذه البطولات في القتل والارتخاء في توسل الحقائب. تعجبين من سقمي، صحتي هي العجب.