المقايضة المفاجأة

TT

صحيح أنها أشلاء جنود ميتين مقابل أسير انتهت مدته في مبادلة بين حزب الله وإسرائيل، إلا أنها خطوات ايجابية جديدة، لأنه ليس في صالح أحد ان تبقى الجثث والسجناء مبررا لاستمرار التوتر والحروب والمزيد من القتل. ولو استكملت الانفراجات بإطلاق سراح ما تبقى من أسرى، وربما ما بقي من أشلاء لصار الدرب الرئيسي أقل وعورة وأعطى انطباعاً بأن النيات جادة وليست مجرد تسويف لتمضية الصيف، في انتظار المعارك المقبلة.

ولا نريد ان نكون حالمين فنعول الكثير على المقايضة التي جرت لأن الكثير من الصعاب بقيت على الطاولة. ومخطئٌ مَنْ يعتقد ان الأزمة سببها الأسرى وشبعا، بل تتجاوز ذلك إلى أزمات إقليمية كبيرة. كما ان إعادة رفات جنود وأسير يمكن بسهولة ان تشغل مرة ثانية بمزيدٍ من الأسرى والقتلى في معركة صغيرة. وبالتالي نحن لا نشهد حلا بل محاولات، وبدايات ولادة مراجعة للقضية الكبيرة.

القضية الكبيرة هي النزاع العربي ـ الإسرائيلي، مصدر الشرور كما يعلم الجميع. فقد انطلقت منها كل الأزمات على امتداد المنطقة، والى أن يعاد آخر متر، ويطلق آخر أسير، ستبقى الأبواب مشرعة للنزاعات المختلفة. ومع أنها تستخدم الأسرى واللاجئين من قبل الأطراف العربية، فإنها تستخدم حجة الأمن من الجانب الإسرائيلي لتبرير التوتر والأزمات واستمرار الاحتلال. مرة واحدة جرى تحدي الوضع القائم بشكل كامل، عندما قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بوضع كل المشكلة على الطاولة، وأحرج الوسيط الأميركي، وأجبر الطرف الإسرائيلي على ان يثبت مزاعمه من خلال تأمين كل الحلول للخلافات الأمنية وكذلك السياسية.

ويصعبُ علينا ان نقارن بين الحالة المصرية والفلسطينية، لأن الثانية معقدة والنوايا حولها مختلفة. فالإسرائيليون يريدون الاحتفاظ بالضفة الغربية بأي ثمن وتحت أي ذريعة، وهم محظوظون لأن الطرف العربي لم يبخل عليهم بتقديم الذرائع حتى دام الاحتلال كل هذا الزمن الطويل. لكن اسرائيل تعلم جيدا انها بعد 40 عاما من حرب 67 التي كانت تأمل ان تستكمل خريطة إسرائيل فشلت في التهام المنطقتين الفلسطينيتين، الضفة الغربية وغزة. 40 عاما من الاحتلال والاحتيال فشلت في إخراج اهل الأرض، وإقناع المجتمع الدولي بحدودها الجديدة وعاصمتها المعلنة، بما في ذلك اقرب الدول اليها.

ووسط هذا الوضع المتأزم، بنيت على اطرافه أزمات اخرى مع سورية ولبنان وظهرت سلسلة من التنظيمات، ما أن يختفي واحد حتى يولد آخر. ولبنان هو أرض الامتحان بين الاطراف السورية والفلسطينية والعربية المعنية، وتحديداً عندما يظهر التوتر، وتعلن التحالفات وتتصادم القوى المختلفة.

لذا، فان المفاجأة في المقايضة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل أنها جرت سريعاً، وبتعقيدات أقل مما جرت العادة، ويبدو ان كل طرف سعيد بالنتيجة.

[email protected]