أمراض!

TT

عظيمة الحكمة الإلهية التي توزع الجهل والحماقة بين أمم العالم، فالكل يستطيع أن يفتخر «بالعينات» التي لديه ويفرح بها. الكثيرون ما زالوا يذكرون كيف أن بعض الجهلة كانوا يستمزجون «الفاظ مسيئة للاسلام» بحسب تعريفهم لعبارات مكتوبة على علب المشروبات الغازية لو تمت قراءتها بصورة معكوسة، والآخر العبقري الذي «فسر» معنى اسم إحدى ماركات المشروبات الغازية بأنها تطلب «دفع كل قرش لمصلحة اسرائيل» وها هي الأيام تثبت أن هذا النوع من الحماقة والجهل ليس موجودا بصورة حصرية في العالم العربي، فمنذ أيام تعرضت شركة المطاعم الأمريكية المعروفة «دانكن دوناتس» لحملة شرسة نظير نشرها اعلانات في موقعها الالكتروني تظهر فيها المذيعة الشابة المعروفة «راشيل راي» وهي تمسك كوبا من القهوة، ويحيط ويلف برقبتها غطاء الرأس المعروف في الاراضي الفلسطينية ذو اللونين الأبيض والأسود المسمى بالكوفية. واعتبر المهووسون والمتطرفون (والذين تم شحنهم عبر وسائل الاعلام المختلفة من قبل عصابة المحافظين الجدد) أن هذه الكوفية هي رمز «للارهاب» و«الجهاد الاسلامي» وغير ذلك من الخزعبلات التي تثار حتى تكون فزاعة ملائمة لأي طرف يرغب في تأجيج المواقف لتمكين أوضاعه بصورة أكثر قوة ورسوخا. بات من نافلة القول أن هذه النوعية من المواقف لا فائدة منها سوى زيادة الهوس بين الفرق والاطراف (وقد يكون هذا مطلوبا تماما) ويعزز بالتأكيد نظرية صدام الحضارات التي يروج لها الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنغتون ويطبقها ويروج لها حرفيا كل متطرف أيا كان دينه أو عقيدته السياسية. حجم التغطية الاعلامية والتعليقات «المؤيدة» للهجوم على اعلان دانكن دوناتس أدى الى قرار الشركة بسحب الاعلان عبر بيان توضيحي مليء بالجبن والضعف حيث بررت قرارها بأنها لم تشأ أن يفهم الاعلان بصورة «خاطئة» بأنه محاولة ترويج «لأفكار خطيرة». وما أن صدر هذا البيان العجيب حتى انبرت وسائل الاعلام المحسوبة على الحزب الديمقراطي في توبيخ الشركة على خضوعها وانصياعها لتهديدات وابتزاز التيار اليميني المهووس واعتبرت قرارها «خاطئا وجبانا». الحقيقة المخجلة أن هذه التيارات المتطرفة توظف التقنية الحديثة، ووسائل الاتصالات المتطورة لأجل تكريس الحقد والتطرف والجهل، واستطاعت أن تمكن نفسها بأن تكون خيارا آخر في ساحات الرأي (وهي في حقيقة الأمر) لا فرق بينها وبين الحركات المتطرفة كالأبارتايد العنصرية والصهيونية والنازية، إلا أن هذه الجديدة استطاعت الدخول بخبث ودهاء تحت ستارة الدين أو السياسة أو الأمن القومي أو غير ذلك من الشعارات البراقة والمناسبة والتي تلعب على أوتار الحس الشعبي للأزمات والعواطف المصاحبة لها. ولكن تواصل الحضارات والنسق العولمي لا يستوي مع هكذا طرح وبالتالي على كل دولة أو أمة فيها هكذا سرطان العمل على الخلاص منه وفورا.

[email protected]