نفط.. وغذاء

TT

يتجمع العالم اليوم في روما لبحث ما يعد ازمة غير مسبوقة في قمة الأمم المتحدة بعد الارتفاع الكبير الذي تشهده اسعار الغذاء العالمية التي تهدد باضطرابات سياسية في العديد من دول العالم، ومخاطر مجاعات في دول اخرى لا يجد سكانها الغذاء الاساسي الكافي.

وفي قلب مداولات القمة المتوقع ان يحضرها 40 من رؤساء قضية تأثير الوقود الحيوي المستخرج من نباتات وتأثيره على الارتفاع الأخير في اسعار الغذاء العالمية وهل اصبحت هناك منافسة بين معدة الانسان وسيارته؟!

المواقف المعلنة قبل افتتاح القمة تدل على تباين شديد حول قضية الوقود الحيوي الذي تخصص له دول صناعية مساحات كبيرة من اراضيها وتمنحه دعما، وتتفاوت تقديرات الخبراء الدوليين حول نسبة مساهمته في اكبر ارتفاع باسعار الغذاء من 30 عاما، اذ تذهب بعض التقديرات الى ان مساهمته في الأزمة تصل الى 70% بينما دافعت الولايات المتحدة بان الوقود الحيوي لا يسهم سوى بنسبة لا تتجاوز 2 ـ 3% في ارتفاع اسعار الغذاء، وانه احد طرق تحقيق الاستقلال في الطاقة ومواجهة ارتفاع اسعار النفط. ويأتي هذا بينما يتوقع ان يخصص 30% من محصول الذرة الأميركي هذا العام لانتاج الوقود الحيوي.

وليس الوقود الحيوي هو العامل الوحيد في الازمة، فهناك عوامل اخرى تراكمت على مدار عقود بينها الدعم الزراعي في الدول الصناعية والذي اضعف القدرات التنافسية للدول النامية اضافة الى العوامل الطبيعية الانية مثل الجفاف ونقص المياه، وارتفاع تكلفة الانتاج بسبب ارتفاع اسعار الأسمدة وتشغيل الالات الزراعية نتيجة ارتفاع اسعار الوقود، وكذلك الاتجاه الحديث لصناديق الاستثمار العالمية للمضاربة في اسعار السلع الغذائية حيث تقدر توظيفاتها المالية في هذه المضاربات على الاسعار المستقبلية بنحو 150 مليار دولار.

وكالعادة فان الذي يشعر بوطأة الازمة وتداعياتها هي الدول الفقيرة والنامية، فصحيح ان ارتفاع الاسعار يسري على الجميع في الدول الصناعية او النامية، الا ان حصة الغذاء في انفاق الفرد في الاولى من اجمالي دخله اقل بكثير من المجموعة التي تصل النسبة فيها الى اكثر من نصف او حتى ثلاثة ارباع الدخل حسب المستوى الاجتماعي، بما لا يترك جزءا كافيا للتعليم والصحة والسكن بما يعني استمرار دورة الفقر بدون أمل في تحسن اجتماعي، او تنمية في المستقبل.

وفي قمة روما سيبحث القادة اجراءات عاجلة واخرى طويلة الأمد لمعالجة المشكلة، وبين الخطوات قصيرة الأجل تخصيص مساعدات للدول والمناطق الأكثر تضررا في الدول الفقيرة، لكن على المدى البعيد هناك حاجة الى رؤية مستقبلية أكثر جذرية وتفض هذا الاشتباك بين موارد وأسعار الطاقة والغذاء.

فعلى المدى القصير هناك جانب ايجابي في ارتفاع اسعار المواد الغذائية وهو تشجيع المنتجين الزراعيين على زيادة الانتاج واستفادة المناطق الريفية، لكن على المدى البعيد تلوح ملامح ازمة مع الزيادة في عدد سكان العالم، والنجاح الاقتصادي لدول عملاقة مثل الصين والهند بما رفع مستويات المعيشة والطلب على الغذاء والطاقة، والتغيرات المناخية المتوقعة التي ستزيد الضغط على موارد المياه والاراضي الصالحة للزراعة.

لقد نجح العالم بعد حربين عالميتين مدمرتين في النصف الاول من القرن الماضي في تفادي اخرى ثالثة يدرك الجميع انها ستكون مدمرة للجنس البشري بسبب تطور أسلحة الدمار، وتمكن العالم من بناء نظام اقتصادي عالمي استطاع الصمود بصرف النظر عن عدالته، لكن هذا النظام بدأ يختل مع الازمات والتحديات الجديدة غير المسبوقة بما يحتاج الى تفكير جديد وتعاون دولي، فاضرار ازمات غذاء وطاقة منفلتة ستكون اشبه بحرب عالمية ثالثة لو تركت هكذا.