صديق بوش.. وصدام كمان

TT

يحدث، أحيانا مرات كثيرة، أن أشتري كتابا ثم أكتشف أنني خدعت. وهذا أسوأ أنواع المشاعر، لأن الذي ضاع لا يرد ولا يسترد: الوقت. ويصدف أحيانا أن ابدأ في مشاهدة فيلم لم أعرف عنه شيئا من قبل، ثم أدرك أنني خدعت. لا مال هنا ولا تكلفة، ولكن الشعور بالخدعة يتحول إلى شعور بالمرارة. وأقسى ما فيها أنك أنت من خدعت نفسك. ثم أنك سوف تكرر ذلك طوعا. وأيضا لمرات كثيرة.

أحيانا يحدث العكس تماما. تكون الصدفة أفضل من الاختيار. لا أستطيع أن أحصي عدد الصدف السارة. إحداها وقعت أمس. طالعني على التلفزيون وجه رجل أصلع وسط الرأس وله شعر أفريقي كث على الجانبين. واقتضاء الدور والشخصية ألصق له شاربين عريضين على شكل فراشة، تعمد المخرج أن يبدوا مزيفين. والرجل الأصلع الأقرع في الوسط، كث ما بعده، يرتدي جلابية، لا بنية داكنة ولا فاتحة، من الصنف الشائع. وللجلابية ـ أو الجلباب ـ قبة مطرزة لزوم الوجاهة. وجاهة صاحبها «عمي الحج» بالمصرية طبعا.

وعمي الحج ليس طويلا في الرجال. ولا صعايدي القامة، بل ابن بلد «قليل» (أيضا بالمصرية) وابن حلال (برضو بالمصري) وهو صاحب مقهى في الحارة. وله ابن وحيد يحلم بالسفر إلى أميركا لكن التأشيرة صعبة فيتدبر الأب للابن سفرة إلى بغداد ومعه شحنة مانغا. وبعد وصوله بقليل يقع الاحتلال فيتبعه الأب للبحث عنه.

لا أدري منذ متى لم يضحكني شيء أو أحد. لكن هذا الممثل الذي لم أره من قبل ولا أعرف اسمه، كان يتحرك على الشاشة مثل «كركرة» تحت الإبط. لا شك أنه خلق لكي لا يكون شيئا آخر سوى هذا الكوميدي الذي يجلس في مقهاه يروي لأبناء الحارة عن صداقته مع بوش وصداقته مع صدام حسين. طبعا منذ الصغر.

يمتلئ فيلم «معلش احنا بنتبهدل» بالقفشات والمواقف السياسية، الساخرة غير الجارحة. ولكنه يمتلئ خصوصا بصورة مصر وخفة الظل المصرية والتعابير البلدي. ويؤسفني أنني شاهدت الفيلم وكان قد بدأ. ولست أعرف اسم هذا «الحج» (بالمصري) الرائع الذي يحرك الشاشة خلفه ويحجم الكاميرا التي تلحق به فيبدو وكأنه حقيقة أكبر من السينما. وفاتني أيضا أن أعرف اسم المخرج الذي أتم عملا فنيا جميلا وبلا هفوات وبلا توفير. لكن شخصية هذا المولود كوميديا تظل هي الطاغية.