الحضارة من طبق إلى طبق!

TT

الحضارة: هي الطبق الواحد.. وهي الخصوصية.. هذا لك وهذا لي.. هذا بيتي وهذا بيتك.

ففي رحلة أحمد بن دحلان الذي أوفده الخليفة العباسي المقتدر إلى ملك البلغار سنة 910م، يقول إنه وجد البلغار يعيشون كالحيوانات.. يعيشون عراة.

وأسوأ من ذلك أن الخادمة تمر عليهم بوعاء واحد من الماء يغتسلون منه.. وجوههم وأفواههم وأنوفهم. ثم تنتقل من واحد إلى آخر ويفعلون نفس الشيء دون قرف، ودون أن يشعروا أنهم أضافوا قذارة إلى قذارة. أما موتاهم فهو العجب العجاب. يحرقون موتاهم. ومع الموتى عشيقاتهم وحراسهم وأصدقاؤهم.. يوضعون جميعاً في شيء يشبه السفينة.. ثم يشعلون فيها النار!

ويرون أن إحراق الموتى أفضل من الدفن عند المسلمين، ويعتقدون أن موتاهم يدخلون الجنة فور إحراقهم!

وقد احتاجت شعوب بلغاريا وأواسط أوروبا وشمالها إلى تسعة قرون أخرى ليكون لهم سلوك حضاري في الأكل والشرب. يقول رفاعة الطهطاوي في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» إن من عجائب أمر الفرنسيين أنهم لا يأكلون ولا يشربون من وعاء واحد، بل كل واحد له طبق وكوب وملعقة وسكين. ولا يصح أبداً أن يأكل اثنان من طبق واحد أو كوب واحد.. وهو يقارن بينهم وبين المصريين في ذلك الوقت. فالمصريون يضعون طبقاً كبيراً واحداً يمدون ملاعقهم إليه ويأكلون. ولم يكن لكل واحد طبق خاص به، ورأى الطهطاوي في ذلك قمة الحضارة كما رأى ابن دحلان قاع التخلف.

وكان الشاعر ابن دحلان قد بعث به الخليفة استجابة لطلب ملك البلغار الذي أراد من يعلمه الإسلام، وأن يبنى له مسجداً. ولم يكن يعرف شيء عن هذه الرحلة حتى اكتشف أحد الباحثين الأتراك مخطوطة في مكتبة طهران سنة 1932. كما ظهرت هذه الرحلة في فيلم بعنوان «المقاتل رقم 13».. وكان الفيلم رائعاً مروعاً أيضاً، يستحق أن تراه وأن تقرأ رسالة أحمد بن دحلان!