من يهدد حوار مكة؟

TT

لا يتطلب الأمر كثيرا من التوضيح حول خطورة الوضع بين الطوائف والفرق الإسلامية في داخل الجسم الاسلامي، ودنو الصدام بين بعض اتباع الاسلام واتباع غيره. الرسوم الكاريكاتورية مجرد تمرين صغير لأزمة أكبر بكثير. التمرين دلل على كيف أن بلدا بعيدا عن الأزمات مثل الدانمرك، وصحيفة مغمورة، ورساما نكرة استطاعوا خلق صدام كبير. أيضا التمرين الآخر كيف ان بضعة تسجيلات مصورة لتنظيم القاعدة، فيها تفاصيل مرعبة لقطع رؤوس اتباع الاديان الأخرى، وتدعو لمحاربتهم، سببت الاحتقان الشعبي ونقلت اللوم على كل المليار مسلم.

بين المسلمين انفسهم نرى كيف صارت علاقة الشيعة بالسنة في ادناها في التاريخ المعاصر، وتنذر بحروب جماعية. والهجوم الكلامي بين الإسلام والمسيحية لم يتوقف منذ ظهور القاعدة، التي اعتمدت خطاب محاربة الصليبيين، في محاولة منها لتأليب الرأي العام ضد الانظمة الغربية، مع ان عداء القاعدة الأصلي هو ضد الانظمة العربية، مثل مصر والسعودية.

وساعدت التقنية الحديثة على نشر مرض الكراهية بين الجانبين، ففي السابق لم تكن هناك وسيلة كبيرة لنقل الخطاب، مهما كان، من دون المرور على الأقنية الرسمية. اليوم للقاعدة، هذا التنظيم الشارد الملاحق دوليا، مئات المواقع الالكترونية المتعاطفة التي تنقل اشرطته ورسائله الى كل مكان في العالم، وتصل الى ملايين الناس على الجانبين. أصبحت الاقنية الفضائية منابر مفتوحة للمتعصبين من مسلمين ومسيحيين وهندوس تدفع اتباعها باتجاه الحقد وتحرضهم على الانتقام.

إذا نحن امام مشكلة طارئة مختلفة كثيرا عن كل الصدامات الدينية القديمة التي كانت تعتمد على معارك بين الأطراف. الآن هي حروب تلقائية، يرسم رسام نكرة اعمالا تشهيرية، ويقوم آخرون بنشرها كل على اتباعه. هذا يحرض على الانتقام والآخر يعتبرها حرية مقدسة تتطلب عقاب من يعارضها، وهكذا. كيف يمكن لرسام ان يشعل حربا لولا الوضع التقني الجديد، والتوتر الديني المستمر، والانقطاع بين المسؤولين عن معالجة هذه المشكلة. ومع ان البعض سماها صدام الجهالات، او صدام المتطرفين، الا ان المشكلة عامة وليست خاصة، اي يروح ضحيتها كل البلايين من الأمم التي تواجه الانقسام بسبب القلة المتطرفة.

لهذا فان حوار مكة المكرمة، الذي دعا اليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، يعقد في وقته ومكانه الطبيعيين. جمع شخصيات اسلامية من انحاء العالم، لكل واحد منها موقعه وتأثيره وتجربته، هو المدخل للتعرف على أزمة القرن الواحد والعشرين. الذي يهدد الاسلام اليوم ليس اتباع الاديان الاخرى مهما سعوا وحاولوا الاساءة للاسلام، بل المتطرفون من المسلمين انفسهم. والشيء صحيح بالنسبة لاتباع الديانات الاخرى حيث يدخلهم في دائرة التوتر والمواجهات متطرفوهم. وما لم يقم كل طرف بلجم التطرف من موقعه ودائرته فان الأزمة ستكبر وسيكون من الصعب محاصرتها. الذي يهدد حوار مكة هم المتطرفون، والذي يفترض ان يكونوا هدفا للدراسة والمتابعة والمحاصرة ايضا.

[email protected]