انتخابات صدام

TT

ذكرت فيما رويته من النكات الناصرية أن المنكِّتين العرب الذين اعتادوا على استعمال البذاءة في تشنيعهم بخصومهم ومسؤوليهم، لم يجرؤوا قط على مس عبد الناصر بمثل هذا الابتذال. الموقف ينقلب كلياً بالنسبة لصدام حسين، فالعراقيون يضجون بالنكات والتشنيعات التي تمس نسبه. المؤسف في أمرها أن فضاعاتها تمسك بيد هذا الكاتب الذي لا يتردد اعتياديا بالخوض في مثل هذه الفضاعات، فلم يعد له، والحالة هذه، غير أن ينتقل إلى ميدان أقل بذاءة.

وهذا هو ميدان الانتخابات الكوميدية، التي كان يرتبها صدام حسين ويدعي بها. المعتاد فيها أن تنتهي بالنتائج المألوفة عربيا: 99 في المائة، أو 98 في المائة إذا أراد النظام أن يكون أقل شططاً وافتراءً. بيد أنه قيل في العراق إن أحد انتخابات صدام حسين انتهت بنسبة 101 في المائة. استغرب المسؤولون هناك مِثلَ هذه النتيجة. اعتذروا للصحافيين الأجانب بأن هذا الواحد الزائد عن المجموع يعود إلى أن الكومبيوتر قام بإعطاء نفسه أيضا صوتاً في الاقتراع.

كيف كان النظام يحصل على هذه النتائج المشجعة؟ بالطبع، لم يكن هناك منافس لصدام في الانتخابات، وجرت على أساس التصويت له بنعم أو لا. عاد رجل متأخراً للبيت، فسألته زوجته فقال إنه ذهب للإدلاء بصوته. قالت له وماذا فعلت؟ قال أشرت بلا على القسيمة. فاختضت المرأة ذعراً وغضباً. «يا مجنون! تريد تخرِّب بيتنا؟ راح يلزموك ويعذبوك. اركض! ارجع لهم وقول تشوشت واكتبت لا بالغلط وأريد أصلّحها».

اضطرب الرجل وارتاع مما سمعه من زوجته وأسرع لطاعتها ككل الأزواج العرب. عاد مسرعا إلى مركز الاقتراع. اعتذر للمأمور وطلب تصحيح قسيمته. فقال له المأمور: «لا أخي لا. ما تخاف. إحنا عرفنا أنك تشوشت واكتبت لا. بس بعد ما رحت إحنا صلحنالك إياها وعملناها نعم».

بدأ صدام حسين مشواره السياسي حليفا لأمريكا التي أعدته وأوصلته للحكم ومدته وجهزته. كان على اتصال دائم بجورج بوش (الأب). طالما تحدثا مع بعض حديثَ الخلِّ لخليله. سمع الرئيس الأمريكي بالنتائج المذهلة التي كان صدام يحصل عليها في انتخاباته. وفي تلك الآونة واجه بوش مصاعب كبيرة في حملته الانتخابية. ففتح التلفون على (أبو عدي) واستشاره في الأمر. أجابه قائلا: «ولا تخاف! أنا ابعث لك جماعتي من المخابرات ويرتبون لك كل شيء». شكره بوش على ذلك، وبعث بطائرة خاصة جاءت بهذا الفريق إلى واشنطن. ونظموا الانتخابات.

تهلل وجه الرئيس الأمريكي مبتشراً عندما سمع بالنتائج 99.9 في المائة. شرب كأسا احتفالا بالنصر. ولكنه لم يكد يفرغ من الجرعة الأولى حتى تجهم وجهه وارتعدت فرائصه. اخبروه أن الناخبين الأمريكان صوتوا 99.9 في المائة لصدام حسين.