الانتخابات الأميركية.. بين الحكمة والحماقة

TT

لقد أعطانا السيناتور جو بيدن يوم الجمعة صباحا مثالا على تواضع وحنكة القائد السياسي. ولكن في وقت لاحق من اليوم نفسه، أعطتنا السيناتورة هيلاري كلينتون مثالا على شيء آخر.

وقد ظهر بيدن، وهو رئيس لجنة العلاقات الخارجية، في برنامج «مورنينغ جو» على قناة «إم إس إن بي سي». وقد تحدث بعمق عن تعقيد العلاقات مع إيران وانتقل إلى مناقشة أمور مهمة تتجاوز ذلك الجدل السخيف حول ما إذا كنا سنقابل أو لا نقابل بعض قادة الدول الأخرى.

وقد دافع عن السيناتور باراك أوباما ضد هجوم إدارة بوش والسيناتور جون ماكين والسيناتور جو ليبرمان عليه، وقال «أرفض أن نتراجع مثلما فعلنا عامي 2000 و2004. هذه الإدارة هي أسوأ إدارة في مجال العلاقات الخارجية في التاريخ الحديث لأميركا، وربما في تاريخ أميركا كله. وفكرة أنهم مؤهلون لاستمرار تبني سياستنا الخارجية بهذه الصورة لجعلنا أكثر أمانا وجعل إسرائيل أكثر أمانا، فكرة مستحيلة. لقد كان كل ما فعلوه كارثيا».

وقد سئل بيدن بعد ذلك عن الخلاف بين أوباما وماكين حول اقتراح السيناتور جيم ويب بزيادة دعم التعليم الجامعي للرجال والنساء الذين خدموا في الجيش بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد دعم أوباما المقترح، لكن ماكين لم يدعمه وقدم اقتراحا أقل تكلفة.

وعندما قام أوباما بانتقاد ماكين بسبب موقفه من ذلك الموضوع، أجاب ماكين بغضب لا مبرر له وذكر أن أوباما لم يخدم في الجيش. وقال ماكين: «لن أقبل من السيناتور أوباما الذي لم يشعر بالمسؤولية تجاه خدمة هذا البلد وهو يرتدي الزي العسكري، أي محاضرة لمن فعل ذلك».

وفي واقع الحال، فإن ديك تشيني لم يخدم بالزي العسكري، وجورج دبليو بوش قضى وقتا طويلا يختبئ من الخدمة الفاعلة. وكذلك فإن بيل كلينتون لم يرتد الزي العسكري. ولم ترتد هيلاري كلينتون الزي العسكري كذلك.

وقد بدا التأثر العاطفي على بيدن وهو يجيب عن السؤال «إنه أمر صعب بالنسبة لي. لأن جون كان صديقي لمدة 35 عاما، وأنا أشعر بخيبة الأمل، لأن هناك فارقا كبيرا بين الجدال العدائي ووجهة النظر المنطقية».

وقال بيدن إن ماكين تبنى النهج العدائي، وقال إن ذلك سبب حزنا له. وقال إن ذلك النوع من السلوك يجب أن ننساه. لكن بيدن ذهب أبعد من ذلك وتناول اللهجة العامة للحملة الانتخابية وعبر عن استيائه مما يحدث. وقال: «أعتقد أن الحملة برمتها تتجه إلى حيث لا أشعر بالاطمئنان لكيفية الرد على باراك».

وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، قامت هيلاري كلينتون بالإشارة المشينة لاغتيال روبرت كيندي. ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها أوباما عن ترشحه للرئاسة، انتشرت الإشاعات حول مقتله بسبب لونه.

وفي استطلاع رأي أجرته شبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية، عبر 6 من بين كل 10 أميركيين عن مخاوفهم من أن شخصا ما يمكن أن يلحق الأذى بأوباما إذا فاز بالترشح عن الحزب الديمقراطي. وقد عبر 8 من بين كل 10 أميركيين من أصول أفريقية عن مخاوف مماثلة.

وقد تحدثت إلى عدد من المصوتين من ذوي البشرة السوداء وقالت إحدى السيدات: «أشعر بالخوف كلما اقترب من تحقيق هدفه». ويبدو أن هيلاري كلينتون وزوجها والعديد من مؤيديهما لا يأبهون إلى ذلك. ومن بين ما سمعته يتردد في معسكر كلينتون أن أنصار أوباما هم المسؤولون عن حدة المنافسة.

وقد أوضحت حملة كلينتون أنها ستظل في السباق لأن أي شيء يمكن أن يحدث. وقد فهم ذلك على أنه شعور لديهم باحتمال حدوث فضيحة يمكن أن تفشل حملة أوباما.

لكن ذلك فهم أيضا على أنه احتمال لحدوث كارثة تلحق الضرر بأوباما. والتعليقات التي تثير مثل هذه المخاوف لا يمكن تخيل مدى ضررها وفظاعتها، ومن قبيل ذلك قول كلينتون «الأميركيون المجدون في العمل، والأميركيون البيض».

إن فهم بيدن للهجة الحملة الانتخابية مهم للغاية. ويبدو أنه قد أعطانا درسا لم تفهمه بعد هيلاري كلينتون.

* خدمة «نيويورك تايمز»