شرق أوسط.. غير عربي؟

TT

على خلفية التطورات الراهنة في الشرق الأوسط، لا يبدو اتفاق الدوحة مجرد تسوية لبنانية ـ لبنانية برعاية قطرية، بل فرصة أتاحتها للبنان تحولات إقليمية تنبئ ببزوغ شرق أوسط جديد مختلف شكلا ومضمونا عن الشرق الأوسط «الجديد» الذي بشّرت به الادارة الاميركية في سياق ترويجها لاحتلال العراق.

لا جدال في أن انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا توافقيا للبنانيين هو العنوان الرئيسي لمرحلة يستعيد فيها لبنان استقراره السياسي والامني ـ وان ظل استقرارا هشا في حال استمرار حالة الضعف البنيوي للسلطة المركزية في بيروت. إلا أن ما يجري في المنطقة يوحي بان مناخ التوافق اللبناني كان حصيلة جانبية لصفقة اقليمية قد تكون قيد التبلور حالياً، صفقة يبدو من ملامحها الاولية أنها تتيح لدول المنطقة تقديم دبلوماسية «الحوار» على دبلوماسية المواجهة في ما يمكن اعتباره «فسحة تنفس» في أزمات الشرق الأوسط.

من السابق لأوانه تلمس كل معالم الصفقة الاقليمية الجديدة، خصوصا ما يتعلق بشقها الأكثر إلحاحاً على الولايات المتحدة (الدولة الإقليمية الجديدة في الشرق الأوسط) وحليفتها الأطلسية تركيا ـ أي مستقبل العراق. ولكن ما ظهر منها حتى الآن يوحي بإعادة خلط لاولويات دول المنطقة انطلاقا من المشكلة الأم، أي سلام الشرق الأوسط الذي خطا في الآونة الأخيرة خطوات ملموسة عكستها دعوة الرئيس السوري، بشار الأسد، للولايات المتحدة إلى تحمل مسؤولية رعايتها بشكل مباشر.

ورغم ان الأولوية الاميركية لسلام الشرق الأوسط لا تزال رهينة صيغة الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية، فإن الوجه الآخر للسلام، أي تسوية النزاع السوري ـ الإسرائيلي، كان ـ حتى الآن ـ مهمة الحليفة الأطلسية للولايات المتحدة، تركيا.

من المسلم به ان دور أنقرة المباشر في رعاية مفاوضات السلام السورية ـ الإسرائيلية سيعطيها «حضوراً» في دمشق قد يكون ـ عن قصد أو غير قصد ـ رديفا لنفوذ الدولة الإقليمية الأخرى، إيران. ولكن افتراض «تبرع» تركيا برعاية عملية سلام سوري ـ إسرائيلي من دون ضوء أخضر أميركي مستبعد إن لم يكن مستحيلا. وتأكيد المتحدث باسم الخارجية الاميركية، مايكل بلتيير، لـ«الشرق الأوسط» (عدد يوم 3/6/08)، بأن بلاده ترحب «بالطبع» بتوسيع دائرة السلام و«بالأطراف المهتمة بالسلام» يكشف عن «اطلاع» واشنطن، وقبولها بالمفاوضات السورية ـ الإسرائيلية.

ربما كان الهدف البعيد المدى للتحركات الاقليمية المتمحورة حول سلام الشرق الأوسط «احتواء» النفوذ الإيراني في سورية ولبنان.

إلا ان المفارقة ـ في هذا السياق ـ أن الشرق الأوسط العربي يتحول، باطراد، إلى ساحة نفوذ متزايد لثلاث دول غير عربية: إسرائيل وتركيا (ومن ورائهما الولايات المتحدة) وإيران (ومن ورائها القاعدة الشيعية الشرق أوسطية).. وكل ذلك بداعي تسوية مشكلة عربية بالأساس.

على الصعيد اللبناني، قد يشكل نجاح المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية منعطفا أساسيا في مسيرة «الدولة» اللبنانية في ضوء ما لمح إليه الرئيس السوري بشار الأسد، من أن لبنان مرشح، في مرحلة ما، للمشاركة في مفاوضات السلام السورية ـ الإسرائيلية.. مما يعني ان لبنان مقبل لان يتحول من «ورقة ضغط» سورية على إسرائيل إلى «ورقة دعم» سورية لعملية السلام معها، مع كل ما يستتبعه ذلك من تسهيل دمشق ـ إن لم يكن تشجيعها ـ لاستعادة الدولة المركزية في بيروت سيادتها على كامل أراضيها، والجنوب تحديدا، كون أي تطبيق جدي لاتفاق سلام لبناني مع إسرائيل سيكون مسؤولية الدولة وحدها.

ولأن من الصعوبة بمكان التقليل من أهمية استعادة سورية للجولان المحتل فلن يكون مستبعدا أن تبذل دمشق كل جهد ممكن لتحقيقه، وإن اقتضى الأمر تقديم بعض «التنازلات» للبنان وللمنطقة وحتى للأسرة الدولية، كما يوحي إليه قرارها الأخير بفتح منشآتها لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في المقابل، فان نجاح الوساطة التركية في تحقيق اتفاق سلام سوري ـ إسرائيلي سيجعل من الصعب تهميش دور الدبلوماسية التركية في المنطقة، وهو دور قد يتنامى الى حد تحول تركيا إلى المنافس الإقليمي السني للنفوذ الإيراني الشيعي.

وإذا كان من المؤسف ان يبدو المستقبل القريب للشرق الأوسط غير واعدٍ للعرب، فقد يصبح لبنان المستفيدَ الأولَ من توازن نفوذ القوى الثلاث في المنطقة (تركيا وإيران وإسرائيل)، وإن كان سيبقى ـ بانتظار السلام الموعود ـ «كوندومينيوم» إيرانيا ـ أميركيا (بالواسطة).. إلى ان يصبح تحييد لبنان عن نزاعات المنطقة من مصلحة المنطقة كلها.