إنني في حاجة لمن (يفسدني)

TT

اكتشفت أن الصوم هو الذي يجدد حياتنا ويجعلنا ندرك قيمتها. فأصبحت بين الحين والآخر أمارس الصوم، لكن على طريقتي الخاصة، فإلى جانب صومي عن الأكل والشراب، فإنني أصوم وأنقطع كذلك لفترات قد تطول وقد تقصر، عن الأهل والأصدقاء والأحباب وكل ملذات الدنيا بأكملها، وأصبح خلال تلك الفترات من الصوم والاعتزال كأي كائن من كائنات (البيات الشتوي).

وإذا حانت ساعة (إفطاري) وعودتي من ذلك الانقطاع الفظيع اللذيذ، تتملكني نشوة عارمة، وشوق متفجر، وفرحة وانتعاش واحتواء لكل من ابتعدت عنهم.

ساعتها آكل وأشرب إلى أن أتخم وأنسطح، وألاطف وأمازح وأعانق وأدور حول نفسي إلى أن يصيبني الإغماء من شدة الفرح والحكمة والاعتراف بقيمة الحياة والأشياء.

قد لا تكون هذه الطريقة مستحبة أو مفهومة أو مهضومة، ولكنها على أية حال تلائم مزاجي المتمرد، الذي يحتاج له بين الحين والآخر شيئاً من الترويض أو العسف والكبت أو جلد الذات بالهراوات.

ومن أراد منكم أن يجرب هذه الطريقة الثورية في الحياة، فعليه بعد أن يجربها أن يدعو لي أو يدعو عليّ (سيان)، وفي كلتا الحالتين أتقبل دعوته بروح رياضية عدوانية شرسة.

***

ذكر (كيتي برد) أستاذ الاقتصاد بجامعة (هارفرد): ان الفساد قد يكون أحياناً ضرورياً (لتزييت) آلية السوق، ولا أدري من أين أتى بكلمة تزييت هذه، ومن هو الذي (غششه) إياها؟! ـ لأنها مصطلح (عروبي) متداول.

غير أن هناك اقتصاديا عربيا كبيرا هو (علي الجريتلي) قد أكد هذا عندما كتب عن «فضيلة الفساد أحياناً» ـ شددوا على كلمة (أحياناً).

وهو يقول بمنطق علمي: إذا كان الحصول على ترخيص لإقامة مصنع يحتاج إلى ستة اشهر، في حين يمكن الحصول على ذلك الترخيص في ستة أيام برشوة (البيروقراطية)، فإن الفساد هنا يصبح فضيلة، فالرشوة في هذه الحالة هي مقابل إنتاج ستة أشهر كان من الممكن أن يتعطل المصنع خلالها بغير الرشوة، وهذا النوع من الفساد هو الفساد من أجل الإنتاج، وهو أيضا ظاهرة تشهدها الاقتصاديات الصناعية المتقدمة.

الواقع أن رأسي (انلوح) من حكاية (فضيلة الفساد) هذه، فهل أجد هناك من (يفسدني)؟!، إنني مهيأ وعلى أتم الاستعداد لأن أفسد إلى أبعد الحدود، ولكن المشكلة أنه ليس لي (لا حول ولا طول).

ونختم هذا المقال (شبه الفاسد) بموظف لبق (وجنتل)، أراد أن يقدم رشوة لائقة ومهذبة لموظف مسؤول، فقدم له كهدية كتابا ليقرأه، ووضع بين كل صفحتين من صفحاته ورقة نقدية كبيرة ـ وأعتقد أن الكتاب كان (700 صفحة) ـ وبعد فترة قصيرة مر عليه وسأله: هل قرأت الكتاب؟!، فأجاب نعم قرأته ووجدته مفيداً ومشوقاً، وإنني في انتظار قراءة الجزء الثاني على أحر من الجمر.

[email protected]