ماذا حدث لهما؟

TT

أنا أيضا مثلك. هناك ظواهر كثيرة لا أفهمها. هناك أسئلة كثيرة أطرحها على نفسي من دون أن أريد جوابا لها. أنا أيضا لا اعرف لماذا ملأ جان بول سارتر الدنيا طوال نصف قرن ثم ما عاد شيئا. ليس حتى ذكرى. وأنا أيضا لا أعرف أين ذهب كارل ماركس. قرن كامل، قلب خلاله الأرض. حكم من قبره أكبر دولة في العالم. زعزع الأمم. سجن أوروبا الشرقية. هدد غربها. أرعب أميركا الجنوبية. أخاف الشمالية التي طاردته إلى كمبوديا وفيتنام وعيادة جورج حبش. وصل كارل، الرفيق كارل، إلى عدن ومحافظة أبين. وعلم الأطفال الحكي في الإصلاح الزراعي في بلد قفر لا ينبت البن إلا في أعاليه. ثم فجأة تفقدناه، هو وسارتر. ولا أحد. موسكو نزعت اسمه من الشوارع والقاعات الكبرى ومن الذاكرة. الصين تركب السيارات الفارهة وتطارد اللاجئين من كوريا الشمالية حتى حدود تايلاند، سيام ذات زمن. يفر الكوريون الشماليون من نعيم الرفيق كيم جونغ ايل ويسيرون في الأدغال والأنهر ثلاثة أيام وثلاث ليال، لكي يطلبوا اللجوء إلى الصين. أو إلى كوريا الجنوبية. أو إلى أي مكان.

ماذا يحدث للذين يحاولون تغيير الكون، عندما يخفقون؟ لا أدري. لماذا مات ماركس ويحيا بوشكين؟ لماذا يدخل البير كامو عالم الكلاسيكيين وينسى سارتر وترفض بلدة والده تكريم «هذا السوقي» في الذكرى الخامسة لوفاته؟ لماذا يبقى بيكاسو؟ لماذا تعاد طباعة كتب جبران خليل جبران بعد 125 عاما وتنسى الناس من هو انغلز؟ لماذا تستمر الرأسمالية برغم كل هذه الكوارث الغبية؟ لماذا يصل جورج بوش إلى الرئاسة بعد وليم كلنتون؟ ألا تعتقد أن اوباما مدين بنجاحه لما فعله جورج بوش؟ ماذا يحدث للتاريخ؟ لماذا يصاب بالجنون وهو يكتب نفسه؟ انظر إليه، التاريخ، يدلق الحبر على يديه وينسى الممحاة في المنزل. أو تسقط منه في البحر. انظر إليه. هل ترى إلى من يوكل أموره وأمورنا في بعض الأحيان؟ أليس ذلك كثيرا على مرحلة واحدة وحياة واحدة؟ قلت لك منذ البداية، لا أجوبة لديّ. أنا مثلك، أطرح هذه الأسئلة وغيرها في صمت. وأتأمل شعوب هذا العالم فأراها تصفق. تستقبل وتودع. تخيل لو جاء دنغ كسياو بنغ قبل ماو بليلتين. لو أن غاندي حمل ماركس إلى موسكو بدل لينين وستالين. لو أن لي كوان يو خلف نهرو في حكم الهند. لو أن فؤاد شهاب هو الذي جدد الولاية وليس إميل لحود. تخيل لو أن ريمون اده وصل إلى رئاسة الجمهورية. طبعا مستحيل، ولكن على الأقل تخيل.