قصة خيالية

TT

باقتراب باراك أوباما المثير للمنصب الأهم عالميا، يأخذ سباق الرئاسة الأمريكي مزيدا من عناصر التشويق والإثارة غير الاعتيادية. إنها القصة السياسية الأغرب. باراك أوباما، صاحب الاسم الغريب الصعب نطقه وتذكره، ابن المهاجر الكيني الذي لم يدم زواجه من والدته طويلا، والذي رباه زوج والدته الاندونيسي في جاكارتا، والمتخرج من أهم الجامعات في العالم: هارفرد، والمتحدر من أصول أفريقية وبشرة سوداء داكنة، يقترب من البيت الأبيض. أمريكا بلاد العجائب ولكنها أيضا بلاد تحقيق الأحلام.

ففرصة تحقيق الأحلام تظل واردة وبقوة في أمريكا، ولن تظهر لك العجائب التي تحد من فرصك مثل اعتمادية المحسوبيات والانتماء القبلي. نعم هناك العديد من المخالفات والأخطاء والتعديات والتفرقة هناك، ولكن بالإمكان الحديث عنها وطرح الحلول لمحاولة العلاج، بدلا من الدفاع عنها بجهل واعتبارها من الموروثات «العظيمة» والدفاع عنها باستماتة حفاظا على الهوية والشخصية «المميزة».

وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في أمريكا قد يكون تحولا أخلاقيا مهما في القطب الأقوى، وقد يكون مؤشرا صحيا على تحسن منتظر في المناخ العالمي طال انتظاره؛ المنظمات غير الحكومية ستشارك في صناعة القرارات السياسية بشكل فعال ومؤثر جدا، والرأسمالية التقليدية ستتجه إلى تصحيح أساسي يحدث فيها حركة إصلاحية مطلوبة، والحراك العولمي سيصبح شاملا بدون تهديدات إقليمية له، وستنال مناطق آسيا الوسطى وأفريقيا نصيبا جوهريا من خطط الاستثمار نظرا للعوائد الكبيرة الممكن تحقيقها فيها، وسترمى أفكار نقاء الأصول وما شابه ذلك من أفكار متطرفة (اقرب للنازية والتمييز العنصري!) سترمى إلى الجحيم مع وصول أبناء المهاجرين إلى المناصب القيادية في دول العالم الحر والمتطور ورواد الحراك الصناعي والثقافي. باراك أوباما حتى إن لم يربح معركة الرئاسة في أمريكا إلا أن حضوره الطاغي وحراكه للسياسة الأمريكية (وأثر ذلك عالميا واضح، فهو «أجمل» قصة سياسية تأتي من هناك في آخر ثماني سنوات) سيجعل من قواعد وقوانين السياسة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تأخذ أبعادا أخلاقية لا يمكن الرجوع عنها.

الأفارقة الذين كانوا يأتون لأمريكا مكبلين بالسلاسل والأغلال، ويرمون في قاع السفن في رحلة هي أقرب للموت، وصلوا على مشارف المنصب السياسي الأهم في العالم، وكم في تلك القصة من رموز ومعان ولكن من يتعظ ومن يدرك ومن يتعلم، وتبقى هذه هي المعضلة الأهم والأخطر. باراك أوباما قصة بقي على نهايتها السعيدة فصل واحد والكل متشوق لرؤيته، ويبقى احترام الحراك السياسي الأمريكي مهم، فهو «أنتج» إمكانية تحقيق هذا الحلم الخيالي!

[email protected]