فن النضج

TT

في يناير 1841، يبدو أن أبراهام لينكولن كان يفكر في الانتحار. فقد وجده صديقه جوشوا سبيد في أحد الأيام يفكر في غرفته ويعتريه القلق. وكتب سبيد: «لقد جن جنون لينكولن. كان علي إزالة شفرات الحلاقة من غرفته ـ وكان علي أخذ كل السكاكين والأشياء الخطيرة من غرفته ـ كان الأمر مخيفا».

وكان لينكولن يأخذ نوعا من الحبوب ثلاث مرات في اليوم، وقد كان ذلك علاجا للأفراد الذين يعانون من الزهري أو يخافون انتقاله إليهم. ويكتب دانيل مارك إبستيان في كتابه الجديد «آل لينكولن».: «لم يستطع لينكولن الأكل أو النوم. وكان يظهر في مبنى المجلس التشريعي من آن إلى آخر. وكانت عيناه غائرتين ولم يكن يحلق لحيته. وكان يبدو عليه الهزال وكان كل من يراه يرثى لحاله».

وفي وقت لاحق، كتب لينكولن عن هذه الفترة وهو يشعر بالخزي، وقال إنه فقد «جوهر شخصيته». فقد كان يعاني من الاكتئاب والاضطراب. وفي سنوات زواجه الأولى «كان يعاني من الأحلام المزعجة. وكان يستيقظ من النوم وهو يرتجف ويهذي بكلام غير مفهوم».

وبالطبع كان من الممكن له أن يتغلب على كل ذلك. وكان من الممكن التغلب على نقاط ضعفه والتحكم في مشاعره وتحقيق ما نسميه اليوم بالنضج.

وقد شهد مفهوم النضج تحولات كثيرة في التاريخ الأميركي. وبالنسبة للينكولن، فقد كان النضج يعني النجاح في إخضاع ذاته. فالإنسان يرتكب الأخطاء وتعتريه المشاعر الشيطانية. والتحول إلى النضج يعني السيطرة على كل ذلك.

وقد كان لينكولن في شبابه راغبا في معرفة أخطائه ولم تكن لديه مشكلة في التعرف عليها. وكان يعلم أنه في غاية الطموح وأنه يمتلك مواهب فذة ـ فهو نوع من البشر كان من السهل تحوله إلى دكتاتور أو وحش مدمر.

وخلال فترة شبابه، بنى لينكولن سياجا حول طبيعته الداخلية. فقد تزوج زواجا تقليديا برجوازيا. وكان يسمي زوجته باسم «الأم» وكان يعيش في بيت من بيوت الطبقة المتوسطة. وكان يدرس الفلسفة والقواعد اللغوية طوال الوقت. وكان لا يثق في المشاعر السياسية. وفي إحدى الخطب التي ألقاها في شبابه، هاجم خلط المشاعر بالسياسة وتحدث عن الحاجة إلى القانون والنظام والعقل المنطقي.

لكن هذا المفهوم عن النضج والذي يتعلق بإخضاع الذات، لم يدم إلى القرن العشرين. فالمعلمون قد أصبحوا يطلبون من الطلاب الشغف بذاتهم بدلا من الحرمان الداخلي. كما كان هناك اهتمام بالحرية الشخصية وتوضيح القيم. فاستكشاف الذات قد حل محل إخضاع الذات، كوسيلة أساسية للوصول إلى النضج.

وفي السنوات القليلة الماضية، ربما نتحول إلى نسخة أخرى من النضج. فالشباب اليوم يعتبرون أن خدمة الآخرين هي مركز النضج لدى الشباب. فالطفل هو الذي يحتاج إلى من يخدمه، لكن النضج يعني خدمة الآخرين.

وخلال العقود الماضية، رأينا رئيسا تلو رئيس يثق في مواهبه ولكن تظهر العيوب بعد ذلك. ويبدو الأمر كما لو أنه يتم انتخابهم لفضائلهم ثم نعرف أخطاءهم بعد ذلك وهم في السلطة ـ وهناك نرجسية كلينتون والعقلية الغريبة لبوش ـ ولم يتم علاج أي من هذه العيوب.

سوف يكون من اللطيف أن نرى رئيسا يعترف بأخطائه ويعالج عيوبه ويبحث عن وسائل لعلاج هذه العيوب.

من الواضح أنه ليس من الإنصاف مقارنة أحد بلينكولن، لكنه يمثل الصفات التي نرغب في أن يتحلى بها القائد. فوهم السياسة الحديثة يدور حول مفهوم أنه إذا كان الناس «مثلنا» فإن كل شيء سوف يسير إلى الأفضل. فالمرشحون ينتخبون لأنهم يسمعون الجمهور ما يرغبون في سماعه.

من شأن ذلك أن يحذرنا نحن الجمهور: لا تنظروا إلى المرشح الذي يتميز بالمواهب، بل انظروا إلى من يدرك أخطاءه.

* خدمة «نيويورك تايمز»