«إنه العراق .. يا غبية!»

TT

«إنه الاقتصاد.. يا غبي»، عبارة قالها جيمس كارفيل ليوجز الأسباب وراء فوز بيل كلينتون في الانتخابات الرئاسية عام 1992 أمام جورج بوش الأب.

يذكر أن بوش بدأ حملته الانتخابية مبدياً قدراً مبهراً من التصميم والإصرار على الفوز، لكنه لم يتمكن قط من تكوين تصور محدد في ذهنه لكيفية التعامل مع مشكلة الركود الاقتصادي. وفي نهاية الأمر، خسر أمام كلينتون، المرشح المجهول. وبعد ستة عشر عاماً، وجدت زوجة كلينتون نفسها في وضع بوش الأب، حيث بدأت هيلاري رودهام كلينتون سباق الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة متمتعة باسم مشهور وبجانبها الآلاف من أعضاء الحزب الديمقراطي الذين يدينون لزوجها بالفضل لمناصبهم السياسية ومستوى من الدعم المالي تُحسد عليه، علاوة على ضمانها مساندة العشرات من كبار المندوبين قبل أن يبدأ التنافس.

ورغم كل ذلك، كان الفشل من نصيب كلينتون أمام شخص لم تكن غالبية الأميركيين تسمع عنه منذ سنوات قليلة ماضية. وكان غريمها شخصا أسود يحمل اسماً لا يبشر بخير، باراك حسين أوباما، ويفتقر إلى المال ودعم مندوبين كبار وآلة سياسية تؤازره. ومع ذلك، فقد شهد هذا الأسبوع إحرازه فوزاً مستحقاً على كلينتون.

والتساؤل الذي يفرض نفسه الآن كيف تهاوت كلينتون من مرشحة يرى الجميع فوزها أمراً محتوماً إلى مرشحة بلا أدنى قيمة خلال مدة لم تتجاوز 6 شهور؟ ولو كان كارفيل موجوداً الآن، لأوجز لهيلاري كلينتون السبب بقوله: «إنه العراق.. يا غبية».

يذكر أن جمهور الناخبين المؤيد للحزب الديمقراطي كان مناهضاً للحرب في العراق منذ البداية. ورغم ذلك، صوتت كلينتون عام 2002 لصالح استخدام القوة ضد العراق. وكذلك فعل جون إدواردز، لكنه قدم الكثير من الاعتذارات الصادقة لاحقاً عن تصويته لصالح هذا القرار. بينما اكتفت كلينتون بعبارات باهتة، مثل بقولها: «لقد تم ارتكاب أخطاء». أما أوباما، فلم يكن في مجلس الشيوخ عام 2002، لكنه نجح في اتخاذ الموقف الصحيح تجاه قضية العراق.

وبمرور الوقت، اتخذت كلينتون موقفاً مناهضاً للحرب بقوة، لكن أثناء موجة انفعال أمام جمهور ولاية نيوهامبشير في فبراير 2007، قالت: «إذا كان أهم شيء بالنسبة لأي منكم هو اختيار شخص ما لم يدل بصوته لصالح القرار (العراق 2002) أو أعلن أن تصويته لصالح القرار كان خطأ، إذاً هناك الكثير من الآخرين الذين يمكنكم الاختيار من بينهم». وقد فهم جمهور الناخبين بمختلف أنحاء البلاد مغزى الرسالة.

وفي يناير (كانون الثاني) وفي إطار المؤتمرات الحزبية بولاية «إيوا»، حصلت كلينتون على ثلث أصوات المندوبين فقط، بينما حصد أوباما وإدواردز، اللذان جرى النظر إليهما باعتبارهما أقوى معارضة للحرب في العراق، الثلثين. وفي نيوهامبشير، حصلت كلينتون على أصوات تسعة مندوبين، بينما تقاسم أوباما وإدواردز أصوات 13 في ما بينهما. واستمر الحال على هذا المنوال. وحتى داخل الكثير من الولايات التي فازت فيها كلينتون، جاء عدد الأصوات ضدها كبيراً.

بيد أن مشكلة العراق بالنسبة لكلينتون تجاوزت تصويتها عام 2002 وإخفاقها في إبداء ندم حقيقي على ذلك. وبصورة تدريجية، زادت كلينتون من حدة انتقاداتها لسياسات الرئيس بوش تجاه العراق، لكن المفارقة تجلت في أنه بمرور الوقت، أصبحت التشابهات بين شكل حملتها الانتخابية واستراتيجية بوش إزاء العراق ملفتة للنظر بدرجة غريبة. ومثلما كان الحال مع بوش وحملته ضد العراق، ساد اعتقاد لدى كلينتون بأن فوزها كان أمراً محتوماً ولم يكن لديها خطة واضحة لخوض التنافس بعد الأسابيع الأولى. ومن الواضح أنها كانت تخطط لإلحاق الهزيمة بخصومها اعتماداً على أسلوب «الصدمة والترويع» الذي سيدفع الناخبين الديمقراطيين للمسارعة بإعلانها زعيمة لهم.

ومثلما حدث بالعراق، لم تفلح هذه الاستراتيجية، حيث أخفقت جهود «الصدمة والترويع». وتمكن أوباما من الفوز في إيوا، وسرعان ما انتشرت حركة التمرد مثل النار في الهشيم، وبحلول منتصف فبراير (شباط) كان أوباما يحظى بدعم واسع النطاق داخل صفوف أنصار الحزب من المواطنين العاديين، وهو ما لم تبد كلينتون قط خطة لتحقيقه.

وبحلول أواخر فبراير (شباط)، تمكن أوباما من بناء وضع متميز له في أوساط المندوبين أصبح من المستحيل على كلينتون القضاء عليه. إلا أن حملة كلينتون استجابت للأنباء السيئة الواردة عن السباق بنفس أسلوب استجابة إدارة بوش للأنباء السيئة الواردة من العراق.

وأولت حملة كلينتون الانتخابية أهمية أكبر لإثبات فريق العمل ولاءهم أكثر من قولهم الحقيقة. وعليه، تم التكتم على الأخبار السيئة والحقائق المؤلمة بعيداً عن القائدة. وبذلك، عمد معاونو كلينتون على التقليل من أهمية الدعوات المطالبة بتغيير استراتيجية الحملة الانتخابية، مؤكدين أنهم يحققون فوزاً بالفعل. وفي الوقت ذاته، تجاهلوا الحقائق السلبية، معتبرين إياها بلا أهمية حقيقية. وبذلك، أصر القائمون على حملة كلينتون أن أصوات المندوبين لا تشكل أهمية، مشددين على أنها متقدمة على صعيد الأصوات الشعبية.

ويتضح مما سبق أن حملة كلينتون تخلت عن شعار الحزب الديمقراطي الداعي دوماً للتفكير الواقعي. يذكر أنه مساء الثلاثاء، قام تيري مكليف، المتحدث الرسمي باسم كلينتون، بتقديمها باعتبارها «الرئيسة القادمة للولايات المتحدة». ويذكر أيضا أن من بين أشهر تصريحات بيل كلينتون أنه في الأوقات التي يسود فيها الشك وعدم الثقة، فإن «الخطأ القوي» يتفوق على «الصواب الضعيف». إلا أن هيلاري كلينتون كان عليها أن تفكر بشكل أفضل وتدرك أن الحزب الديمقراطي في موقف يؤهله للسيطرة مجدداً على البيت الأبيض لأن الأميركيين سئموا جورج بوش الذي يجسد توجه «الخطأ القوي». وفي حقيقة الأمر، فإن الخطأ يبقى خطأ ويتركنا ضعفاء في نهاية الأمر، ويبقى آلاف القتلى في العراق قتلى.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»