ولماذا نتذكره؟

TT

التقينا أصدقاء من مرحلة متشابهة. عرفنا، على درجات متفاوتة، السياسيين أنفسهم. قرأنا الصحف نفسها. دخلنا معاً عصر التلفزيون بعد خروجنا معاً من هوائيات أحمد سعيد. صار الهوائي ملونا وميسورا أكثر من الترانزيستور. اخترع السوفيات الكلاشنيكوف واليابانيون الترانزيستور وأرسلوا الشحنات بالعملة الصعبة إلى أمة تريد أن تحرر فلسطين. كم فرحنا بالأبواق. أرسلنا ربعها في اتجاه إسرائيل وثلاثة أرباع إلى اليمن والأردن والمغرب والحبيب بورقيبة. الكلاشنيكوفات أرسلت كلها في اتجاه واحد: العرب. مثلها مثل العبوات الناسفة فيما بعد.

جميعنا، إذن، من مرحلة واحدة، وبلدان كثيرة. ومن درجة صوتية واحدة، تقريبا. ألف ميغاوات في الهدوء. وطرح أحدنا سؤالا احتفاليا، قال: ألسنا اليوم أفضل مما مضى؟ الرساميل العربية تنتقل من المغرب إلى الجزائر. ومن دبي إلى موريتانيا. وطلب مني أن أجيب. وقلت، للأسف، هذه ليست دليلا ولا بينة. الرأسمال يطارد الربح ويهرب من الخسارة. والاستثمار العربي في الدول العربية لا يشكل شيئا مما يطوف منه في الصين وأميركا وكندا. وقد سألت مصرفا عربيا مهما إن كان في إمكاني الحصول على قرض لعقار في بيروت، فكان الجواب مصرفيا واضحا: نقرضك على عقار في أوروبا. بيروت، آسفون.

عقدت هذه الجلسة في 5 حزيران المشهور بخمسة يونيو. وعندما جاء دوري في طرح الأسئلة قلت لأصدقائي، بماذا يذكركم هذا النهار؟ صمتوا قليلا ثم تطلعوا في بعضهم بعضا. بماذا يذكر هذا النهار؟ وبعد لأي قال أحدنا: آه، إنه الخامس من يونيو. قلت، لم يعد 5 يونيو شيئا. ما هو 5 يونيو بعد ما حدث في أردن 1970 ولبنان 1975 وكويت 1991 وعراق 2003 وجزائر التسعينات وحرب العراق ـ إيران؟ وما هو حال الأمة اليوم بالمقارنة مع 6 حزيران؟ كان لا يزال هناك أمل ولا تزال هناك شعوب تنادي بالوحدة الكبرى، واليوم لا يستطيع شعب ما تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس جمهورية. ظل ياسر عرفات عقودا يقول، اعطوني أريحا وأقيم عليها دولتنا. ولما أخذ غزة والضفة صارت الحكومة في غزة والدولة في رام الله.

هل يكفي أن ترتفع أسعار الأراضي لكي تستقيم حال الأمة؟ أليس هناك ما هو أغلى من ذلك: الأمن والاستقرار والمستقبل؟ وأرواح الناس وهناؤهم؟ ألحقنا مسؤولية كل النكسة بعبد الحكيم عامر لأنه مات، ثم انتظرنا موت عبد الناصر. وبعدها انتظرنا موت صدام حسين لكي نجرؤ على أن نذكره بأن أرواح البشر ملك خالقها. مليون منهم؟ هل كان عبد الحكيم عامر مسؤولا أيضا عن الأردن وسورية؟ هل يمكن أن تقوم أمة ليس فيها حساب ولا مسؤولية؟ أما غلاء الأراضي فمبروك. العقار متحسن في غينيا أيضا.