التقنية بين الماضي والحاضر

TT

هل تذكر كيف كانت الحال في الأيام الخوالي عندما كنا نمر بمرحلة ما كان يسمى الاقتصاد الجديد؟ ففي التسعينات، كانت هناك وفرة في الوظائف، وكان البنزين رخيصاً وكان يبدو أن تقنية المعلومات سوف تغير كل شيء.

ثم انفجرت فقاعة التقنية، فقد ظهر أن العديد من الشركات كانت تبرع في تطوير صورتها أكثر من جني المال ـ على الرغم من أن بعض هذه الشركات كانت رائدة في أنواع جديدة من الخداع الحسابي. وبعد ذلك جاءت صدمة البترول وصدمة الطعام، ويبدو أنها كانت لتذكيرنا بأننا ما زلنا نعيش عالماً مادياً. فهل حققت الثورة الرقمية الكثير إذن؟ لا أعتقد أن ذلك حدث بسرعة. فتوقعات المرشدين الروحيين لتقنية التسعينات تتحقق ولكن ببطء وحماس أقل من المتوقع ـ لكن المستقبل الذي توقعوه ربما ما زال في طريقه إلينا.

ومن هؤلاء المرشدين، إيثر دايسون التي توقعت عام 1994 توقعاً كبيراً: وهو أن السهولة التي يمكن نسخ ونشر المحتويات الرقمية بها سوف تجبر رجال الأعمال في نهاية الأمر على بيع نتائج أعمالهم الإبداعية بثمن رخيص، أو حتى إعطائها مجاناً. ومهما كان المنتج ـ برامج أو كتب أو موسيقى أو أفلام ـ فإن تكلفة الإنتاج سوف يتم تعويضها بطرق غير مباشرة: وسوف يكون على الشركات «توزيع الملكية الفكرية مجانا لكي تبيع الخدمات والعلاقات».

وهي تصف على سبيل المثال، كيف أن بعض شركات البرامج أعطت منتجاتها مجانا للحصول على أجور مقابل تثبيت البرامج وتقديم الخدمات. لكن تفسيرها الذي يلفت الانتباه هو كيفية الحصول على المال في مقابل إعطاء منتجات مجاناً، حيث كان غريتفل ديد يشجع الأفراد على تسجيل أغنيات حية لأن «عددا كافيا من الأفراد ينسخ ويستمع إلى شرائط غريتفل ديد وينتهي بهم الحال إلى شراء القبعات والقمصان والتذاكر. وفي العصر الحديث، فإن السوق الملحقة هي السوق».

في واقع الأمر، ظهر أن آل ديد كانوا رائدين في مجال الأعمال. وقد نشر أخيرا رولينغ ستون مقالا بعنوان «الاقتصاد الجديد لروكس: جني المال عندما لا تباع الأسطوانات». ودائما ما يعوق التنزيل من مواقع الإنترنت مبيعات الأسطوانات ـ لكن هناك وسائل أخرى لجني المال.

وحسب تقرير في «نيويورك تايمز»، فإنه كان هناك الكثير من التعليقات بخصوص الكتب الإلكترونية في معرض هذا العام بوك إكسبو أميركا. والآن، فإن الكتب الإلكترونية يبدو أنها هي التي تحمل المستقبل، ولكن يبدو أنها لا تفعل ذلك مطلقا.

وهذا بالطبع هو انطباعي بعد شهرين من تجربة جهاز «أمازون كيندل». وبصورة عامة، فإن خفة وزن كيندل ووضوح عرضه يعنيان أنه يقدم إمكانية للوصول إلى قراءة على الكمبيوتر تشبه القراءة من الكتاب التقليدي. ويمكن لهذا الجهاز تخزين العديد من الكتب وعندما تطلب كتاباً جديداً، فإنه يكون بين يديك في دقائق معدودة. فكيف يؤثر ذلك على صناعة النشر؟ في الوقت الحاضر، فإن الناشرين يكسبون من تنزيلات كيندل مثلما يكسبون من بيع الكتب العادية. لكن خبرة صناعة الموسيقى تفيد بأن ذلك لن يستمر: فبمجرد تحول تنزيلات الكتب الرقمية إلى مقياس، فإنه سيكون من الصعب للناشرين الحفاظ على الأسعار التقليدية.

وفي واقع الأمر، إذا أصبحت الكتب الإلكترونية هي الوضع الطبيعي، فإن صناعة النشر بالشكل الذي نعرفه قد تندثر. وأعتقد أن الكتب سوف ينتهي بها الحال إلى أن تصبح مجرد دعاية تسويقية للكتاب. حسنا إذا كان ذلك سيمثل دعاية جيدة لتشارلز ديكنز، فإنني أعتقد أنه سيكون جيدا بالنسبة لي أيضا.

والآن، فإن استراتيجية منح الملكية الفكرية مجانا حتى يشتري الأفراد متعلقاتك، لن تنجح جيدا مع كل شيء. والدليل على ذلك أن مؤسسات الأخبار مثل «نيويورك تايمز» حاولت لسنوات تحويل القراءة على الإنترنت إلى عمل يدر ربحا لكنها فشلت في ذلك. ولكنهم سوف يجدون وسيلة في نهاية المطاف. فخطوة خطوة سوف يتم تحويل كل شيء إلى الصيغ الرقمية، حيث تكون حقوق الملكية الفكرية من السهل نسخها ومن الصعب بيعها بأكثر من سعرها الاسمي. وعلينا أن نجد نماذج تجارية واقتصادية تضع هذه الحقيقة في الحسبان. ولن يحدث كل ذلك على الفور. ولكن على المدى البعيد فإننا جميعا سوف نكون غريتفل ديد.

* خدمة «نيويورك تايمز»