قلق من انسحاب الجيش الباكستاني

TT

وصلت العلاقات بين الجيشين الأميركي والباكستاني، وهما حليفان في الحرب على الإرهاب، إلى أسوأ حالاتها منذ أحداث 11 سبتمبر(أيلول)، كما صرح مسؤولون عسكريون ودبلوماسيون غربيون رفيعو المستوى. وذلك بعد انسحاب القوات الباكستانية من عدة مناطق قبلية على الحدود مع أفغانستان يسكنها قادة طالبان و«القاعدة» والآلاف من مقاتليهم.

وقد أخبر الجنرال اشفاق كياني، قائد الجيش الباكستاني، مسؤولي الجيش الأميركي والناتو أنه لن يحتفظ أو يجهز قوات لمحاربة المتمردين على الحدود الغربية الجبلية الباكستانية كما يطلب الأميركيون. وبدلا من ذلك، سيظل الجيش متمركزا على الحدود الشرقية الباكستانية وسيستعد لأي صراع مع العدو التقليدي الهند. ودارت بينهما دوما حروب على سهول البنجاب. وخصص أكثر من 80 % من مجموع 10 مليارات دولار من المعونة الأميركية لباكستان منذ أحداث 11 سبتمبر من أجل الجيش. وأنفق معظم هذا المبلغ في شراء أنظمة أسلحة غالية الثمن للجبهة المواجهة للهند بدلا من المعدات الصغيرة لمكافحة المتمردين. وتوجد أيضا مؤشرات إلى تأخير واشنطن لتوصيل أسلحة أميركية للجبهة الشرقية، وإلى طلبها من حلفائها الأوروبيين أن يفعلوا مثلها. وفي الأسابيع الأخيرة، جدد المسلحون الإسلاميون في كشمير الهندية هجماتهم ضد القوات الهندية، بعد أن قيدتهم إسلام آباد منذ محادثات السلام بين باكستان والهند عام 2004. وأسفرت تفجيرات المسلحين، التي وقعت في جايبور في الهند في 14 مايو (أيار)، عن مقتل أكثر من 80 شخصاً. وكانت العلاقات بين الهند وباكستان قد تحسنت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، ولكن من الممكن أن تتصاعد التوترات مجدداً.

وأخبر مسؤولو الجيش الباكستاني واشنطن بأنهم سوف يستمرون في نشر قوات حرس الحدود ووحدات شبه عسكرية بطول الحدود مع أفغانستان، ولكنهم يفتقدون إلى المعدات، وغير مدربين جيدا، وفقدوا القدرة على الاحتكاك مع المسلحين. ويقوم الجيش الأميركي بتدريب وتجهيز حوالي 100 ألف من هذه القوات، ولكنه رفض مطالب باكستانية بتجهيز من 4 إلى 5 وحدات جديدة. وتحكم طالبان الأقاليم السبعة المكونة من المناطق القبلية الخاضعة للحكم الفيدرالي. وأدى الإحباط المتزايد بين قوات الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان إلى زيادة مطالب المسؤولين الأميركيين والأفغان، ومسؤولي الناتو، والقادة الأوروبيين، والأمم المتحدة بحّث باكستان على الاستمرار في دعم الحرب ضد التطرف.

ولكن الجيش الباكستاني غير مستقر، حيث فقد أكثر من 1000 جندي ومدني منذ هجومه الأول على طالبان عام 2004. وتوصل أخيرا إلى اتفاقيات سلام غير رسمية مع قادة حركة طالبان الأفغانية في المناطق القبلية، والتي تعهدوا فيها بعدم مهاجمة القوات الباكستانية. وهذه الاتفاقيات لا تمنع طالبان من مهاجمة قوات الناتو والقوات الأفغانية في أفغانستان. وزادت هجمات طالبان على أفغانستان بشكل كبير هذا الصيف. ففي شهر إبريل (نيسان)، ارتفع عدد الحوادث إلى 100 حادث في الأسبوع بعد أن كانت 60 حادثا في الأسبوع في شهر مارس (آذار). وعلى الأرجح ارتفعت الحوادث في شهر مايو(أيار)، وفقا لما ذكر مسؤولو الناتو، الذين أبلغوا عن زيادة أعداد الباكستانيين والعرب وأصحاب الجنسيات الأخرى الذين يحاربون إلى جانب صفوف طالبان في أفغانستان. وظهر أثر من آثار اتفاقيات السلام في الشهر الماضي، عندما دعي 30 صحافيا إلى مؤتمر صحافي غير مسبوق في جنوب وزيرستان مع بيت الله محسود، زعيم طالبان الباكستانية التي تستضيف قادة طالبان الأفغانية والقاعدة في المناطق القبلية. ورأى الصحافيون القليل من قوات الجيش، حيث احتلت طالبان المواقع التي تخلى عنها الجيش. وتعهد محسود بأن «الجهاد في أفغانستان سيستمر»، وأعلن أن «الإسلام لا يعترف بأية قيود أو حدود يضعها الإنسان». ودعا موقع طالباني إلى انتفاضة عامة في أفغانستان «حتى ينسحب منها آخر غاز صليبي».

إن أول ضحايا تغيير استراتيجية الجيش الباكستاني هما الحكومتان المدنيتان في باكستان وأفغانستان. وأخبرني الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، الذي يتعرض لضغوط دولية شديدة لتحسين أوضاع الحكم والقضاء على الفساد، خلال محادثة طويلة بأنه يشعر بإحباط شديد تجاه الموقف الباكستاني. وقال: «علينا أن ننجح في إقناع العالم بإنهاء حماية الإرهاب». وأضاف أن زيادة التمرد في جنوب أفغانستان وشرقها يجعل من الصعب توفير الأمن اللازم لتحسين أوضاع الحكم والإسراع في إعادة البناء. وفي بيشاور، وهي أكبر مدن شمال غربي باكستان، صرح مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة بأن الجيش لم يطلعهم على تفاصيل اتفاقيات السلام أو المعلومات الاستخباراتية، ولكن ليس من سلطتهم الاعتراض على الجيش أو الاتفاقيات. وتقع بيشاور في الواقع تحت حصار من ميليشيات مشابهة لطالبان في الشمال والجنوب والغرب، حيث يقومون بعمليات تفجير واختطاف، بالرغم من الاتفاقيات.

وكان من المنتظر بعد أن أنهت انتخابات فبراير (شباط) تسع سنوات من الحكم العسكري، أن تتحمل حكومة باكستان المدنية مسؤولية السياسة الخارجية، وتقنع الجيش بأن يشاركها في سياسة الأمن القومي تجاه الهند وأفغانستان. ولكن تعاني الحكومة من المشاكل وقد قيدت حركتها جبهات متعددة. وعلى القوى العظمى أن تتأكد مما إذا كانت سياسة الجيش الباكستاني الجديدة تمثل تحولا استراتيجيا في الحرب العالمية ضد الإرهاب. ويجب إقناع الهند بفعل المزيد من أجل حل قضية كشمير، وأن يساعد العالم على تقوية حكومة باكستان المدنية، وخاصة أمام المشاكل الاقتصادية الشديدة. ومن الضروري عودة الجيش إلى محاربة التطرف إذا كانت باكستان لا تريد السقوط تحت حكم مشابه لطالبان ولا تريد أن تكون ملجأ للقاعدة.

* صحافي باكستاني

* خدمة «نيويورك تايمز»