الأجنة المهجنة.. والأخلاقيات الحيوية

TT

صوت مجلس العموم البريطاني أخيراً لصالح مشروع قانون يسمح بتخليق أجنة مهجنة من خلايا بشرية وحيوانية لاستخدامها في التجارب المعملية والدراسات الطبية، حيث يقول مؤيدو هذا القانون إن هذه التجارب ضرورية لإحداث تقدم في مجال إيجاد العلاجات للعديد من الأمراض، بينما اعتبر البعض الآخر أن هذا مخالف لقوانين الطبيعة، حيث يقول معارضو القانون من علماء ورجال دين إن تخليق أجنة مهجنة إنما هو أمر غير أخلاقي ولن يساعد في إيجاد علاجات جديدة للأمراض.

وتعد مسألة «الأجنة المهجنة» Hybrid Embryos من المسائل العلمية الحساسة التي تحظى حالياً بالعديد من النقاشات الحادة في العديد من الدول المتقدمة، وبخاصة فيما يتعلق بالجوانب الأخلاقية، كما أنها تدعونا أيضا في عالمنا العربي لفتح الباب لمناقشة وتدريس المسائل والقضايا الأخلاقية التي تمليها التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة، ووضع البرامج التعليمية المتقدمة ليس فقط في مجال الأخلاقيات الحيوية، وإنما أيضاً في أخلاقيات العلم والتكنولوجيا بصفة عامة.

ويعد مجال «الأخلاقيات الحيوية» Bioethics من مجالات البحث العلمية الحيوية المهمة حالياً، والتي تحظى باهتمام عالمي وبخاصة في الدول المتقدمة، فهناك الآن العديد من برامج الدراسات العليا المتقدمة في مجال الأخلاقيات الحيوية، وهو علم متكامل يهدف عموماً إلى وضع ضوابط للقضايا والأبحاث العلمية العالمية التي يجريها الباحثون والدارسون على الإنسان أو الحيوان أو النبات وتوجيهها الوجهة السليمة، وبما يعزز من شعورهم بالمسؤولية تجاه الفرد والمجتمع. ومن المعروف أن الأخلاقيات الحيوية تتأثر بعادات وتقاليد وثقافة كل دولة، ولكن تبقى القضايا والمسائل العلمية مشتركة بالمفهوم العالمي لها.

ويجب أن نشيد هنا بالجهود العربية المتنامية وبخاصة في السعودية نحو الاهتمام بعلم الأخلاقيات الحيوية، حيث قامت بتأسيس اللجنة الوطنية للأخلاقيات الحيوية والطبية تحت إشراف وإدارة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالرياض، بهدف وضع القوانين واللوائح المنظمة للجانب الأخلاقي للأبحاث في السعودية، ومتابعة تنفيذ معايير وأخلاقيات البحوث الحيوية والطبية التي تجرى من قبل جهات طبية مثل المستشفيات ومراكز الأبحاث الملحقة بها، وكذلك للأبحاث الحيوية بشكل عام التي تجرى في الجامعات ومراكز البحوث ذات العلاقة. وذلك بما يعكس تعاليم الشريعة السمحة وتقاليد المجتمع العربي المسلم.

كما جاءت الخطوة السعودية الرائدة نحو تأسيس أول كرسي بحثي في الوطن العربي مختص في نشر مبادئ الأخلاقيات الحيوية مدعوم بالبرامج والخبراء من قبل منظمة «اليونيسكو» ومقره مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية بالشؤون الصحية للحرس الوطني. يقول البروفسور هانك تن هيف رئيس قسم علوم الأخلاقيات والتقنية في منظمة اليونيسكو، بأنه أول برنامج دراسات عليا في الأخلاقيات الحيوية على مستوى الدول العربية، للتعريف بهذا العلم وتطبيق الأسس العلمية الصحيحة التي تتماشى مع أنظمة اليونيسكو.

والخلاصة، مع التطورات العلمية المتسارعة أصبح هناك ضرورة في عالمنا العربي لمناقشة قضايا وأخلاقيات العلم والتكنولوجيا عموماً، مع تدريس برامج في الأخلاقيات الحيوية في الجامعات ومراكز البحوث العربية، وفقاً للتشريعات الإسلامية التي سبقت التشريعات الوضعية الحديثة في إرساء القواعد والأسس والمعايير والأخلاقيات فيما يتعلق بإجراء الأبحاث الطبية والعملية، مع الاستفادة من تراثنا العلمي والطبي في هذا المجال، والاستفادة أيضاً من تجارب الدول المتقدمة حول برامج تدريس أخلاقيات العلم والتكنولوجيا عموماً.

* كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية