النجادية التي أينعت والـ«لاريجانية» التي حان مجيئها

TT

هل هي جرأة من الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد تكراره المقولة النجادية في شأن اختفاء اسرائيل، وخلال مؤتمر صحافي عقده في روما يوم الثلاثاء 27/6/2008، وما ادراكم ما هي روما البرلسكونية وايطاليا عموماً في عهد رئيسها برلسكوني ازاء موقفها من ايران والعلاقة الوطيدة مع الادارة البوشية التي تخوض مواجهة سياسية ودبلوماسية ضد ايران قد تتحول الى مواجهة عسكرية يختم بها الرئيس بوش مغامراته الحربية؟

لقد ذهب الرئيس نجاد الى روما للمشاركة في «قمة الغذاء» الذي بات هاجس الجميع اغنياء وفقراء. وكانت هذه القمة خير مناسبة لكي يخاطب الرئيس الايراني العالم مِن على منصتها موضحاً ان الاهتمامات النووية التي تتمسك بها ايران هي في نهاية الأمر عنصر مساعد لمعالجة ازمة الغذاء كونها، اي الاهتمامات النووية، تحقق تسريعاً في الطاقة التي هي العنصر الاساس للري والزراعة والتطوير الاقتصادي على انواعه. كما ان القمة خير مناسبة للتوضيح في شأن ما يثيره الرئيس نجاد حول مصير اسرائيل، كأن يقول في التوضيح ما معناه إن ما يقصده بزوال اسرائيل هو أن هذه الدولة تبقى في حال التزمت تنفيذ القرارات الدولية، وردت بالمثل على الخطوات التي تستهدف التسوية العادلة والتي تمثلها خير تمثيل «المبادرة العربية» التي ارتبطت بالملك عبد الله بن عبد العزيز، ويتأكد يوماً بعد آخر انها الحل الموضوعي الذي يحقق الطمأنينة للجميع وينهي القلق الدولي المتنامي في شأن اسرائيل، بحيث لا تعود عبئاً على المجتمع الدولي ولا حالة عدوان لا يتوقف على الشعب الفلسطيني ودول المنطقة. اما اذا كانت اسرائيل لن تفعل ذلك وتبقى على ما هي عليه منذ اكثر من نصف قرن فهذا يعني انها الى زوال ولو بعد حين.

مثل هذا التوضيح كان سيصغي اهل «قمة الغذاء» بإهتمام اليه وربما كانوا سيحرصون على لقاءات تشاورية مع الرئيس نجاد. كما ان انعقاد القمة في روما هو مناسبة للقاء بين رئيس الكنيسة الكاثوليكية البابا بندكيت السادس عشر والرئيس الايراني يمهد الطريق امام لقاء اكثر فعالية يتم بين مرشد الجمهورية آية الله خامنئي والبابا ويكون مثل ذلك اللقاء التاريخي بين الملك عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الكنيسة الكاثوليكية، وهو لقاء لمصلحة استنباط رؤية للاستقرار العالمي وحل المشاكل العالقة ووضع حد للهواجس الناشئة في اوساط المجتمع المسيحي من الاسلام وفي اوساط المجتمع الاسلامي من قادة دول العالم المسيحي والكاثوليكي بوجه خاص الذين لا يمارسون اي ضغوط على اسرائيل ويرتضون بقاء المقدسات مهد السيد المسيح عليه السلام الى جانب الحرم الثالث المسجد الأقصى تحت الاحتلال الاسرائيلي.

مع الأسف الشديد إن الرئيس الايراني لم يأخذ ذلك في الاعتبار وجاء الى «قمة الغذاء» مبتهجاً بمواقفه السابقة معتبراً أن السامعين يطربون لها على حد قوله، متسبباً بحالة إحراج لرئيس الكنيسة الكاثوليكية الذي اضطر لعدم استقبال أي من الرؤساء المشاركين في القمة كي لا يستقبل الرئيس نجاد الذي جاء الى روما حاملاً سيف التهويل مع ان «قمة الغذاء» وبالذات في العاصمة التي على خاصرتها الفاتيكان رمز العالم الكاثوليكي بكل قاراته تتطلب قادة يطرحون حلولاً هادئة بدل التصريحات النارية.

ونتذكر ونحن نقول ذلك ما سبق ان سمعناه من الرئيس نجاد على مدى السنتين الماضيتين حول «حرب ايران الضروس» على اسرائيل المتمثلة بأسلحة كلامية من بينها قوله امام زوار اجانب في احتفال اقيم عشية مغادرته طهران الى روما لمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لوفاة الإمام الخميني «ينبغي ان تعلموا ان النظام الصهيوني الإجرامي والارهابي الذي يحوي ملفه ستين عاماً من النهب والاعتداء والجرائم وصل الى نهايته وسيختفي قريباً من على الساحة الجغرافية. كما ان جرس العد التنازلي لدمار امبراطورية السلطة والقوة الشيطانية (اي اميركا) بدأ يدق. وبعودة المنقذ المهدي المنتَظَر (أي الامام الثاني عشر بالمفهوم الشيعي) وصحبه وبينهم بالخصوص النبي عيسى فإن هيمنة الطغيان ستنتهي قريباً في العالم...» وقوله ايضاً «إن لبنان تحوَّل اليوم الى بلد قوي مُرِّغ فيه انف اميركا والصهاينة بالتراب». وهذا ليس كل ما قاله الرئيس نجاد حتى الآن، فقد سبق أن اعتبر النظام الذي يترأسه أقوى نظام لأقوى دولة في العالم وتزامن مع هذه الجولات الكلامية في «حرب نجاد» ان الذين وضعهم على رأس اجهزة امنية او وزراء في الحكومة عِوَض الذين لا يشاركونه خططه الميدانية الكلامية هذه يوافقونه الرأي بطبيعة الحال، مع ان الذي يحتاجه الرئيس الايراني وبالذات لمواجهة العزلة المحتمَلة على ايران هو المستشار الذي يقول له إن خير الكلام هو ما قلَّ ودل، بالمعنى الإيجابي للدلالة، وان السلامة هي في الكلام الذي يحنِّن بدل ان يجنِّن. وإلا فإن النجادية تكون أينعت وحان رحيلها لتبدأ الـ«لاريجانية» الردع بالحسنى لما قد يصيب ايران او الترميم لمرحلة ما بعد الإصابة. والذي يجعلنا نفترض ذلك ان انتخاب لاريجاني رئيساً لـ«مجلس الشورى» أي البرلمان لم يكن تقليدياً ذلك ان الـ237 نائباً من اصل 259 من نواب المجلس الذي يضم 290 مقعداً قرروا تصحيح هفوة إرتُكبت في انتخابات الرئاسة عام 2005 عندما اختار المحافظون في ايران صاحب اللسان الأنشط محمود أحمدي نجاد بدل صاحب العقل المتوازن علي لاريجاني الذي حتى بعد خسارته ارتأى الانسحاب الهادئ من «جمهورية نجاد» وذلك بالاستقالة من منصب «امانة المجلس الاعلى للأمن القومي» ثم تحضير نفسه لترؤس السلطة التشريعية رئيساً بما يشبه الإجماع للبرلمان الذي هو «جمهورية كل ايران»، مع ملاحظة ان الأمر ليس قفزة في الهواء وإنما هو الاستعداد لخوض غمار الرئاسة عام 2009 وبذلك يكون الترؤس للبرلمان عبارة عن مرحلة انتقالية لمدة سنة يمكن لاريجاني خلالها توجيه اكثر من رسالة الى الداخل الايراني الثائر بأن يخفف من الإصغاء الى الطروحات النجادية كي لا تزلزل الأرض الايرانية زلزالها وإلى الغرب الحائر بأن عليه بدل المضي الى النهاية في ارتكاب إثم المغامرة، ان ينتظر ويكتفي بالقليل من الاجراءات الاقتصادية لأن ايران الـ«لاريجانية» تريد بالفعل التقنية النووية وليس القوة النووية، وتريد الحل العادل بما يضمن السلامة للجميع في المنطقة. كما تتطلع الى العلاقة الموضوعية مع دول الجوار ولا ترى انها اقوى دولة في العالم، اي باختصار تبدأ حقبة «المراهقة الثورية» في الانسحاب وتترك للراجحة عقولهم امر تسيير امور البلاد وبما يرضي رب العباد، وهذا ما نفترض ان الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني أوضحه بعقلية رجل الدولة صاحب التجربة والحنكة للملك عبد الله بن عبد العزيز على هامش «مؤتمر الحوار الاسلامي العالمي» الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين يوم الاربعاء 4/6/2008 في مكة المكرمة وبحضور خمسمئة شخصية دينية واكاديمية وفقهية اسلامية مرموقة بكلمة حق يُراد بها الحق ولا شيء غيره موضحاً انه دعا الى المؤتمر «لمواجهة تحديات الانغلاق والجهل وضيق الأفق وللتأكيد على ان الصوت الاسلامي هو صوت تعايُش وحوار عاقل وعادل وحكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن». وهذا القول سيصاغ في شكل «المبادرة الاسلامية» للملك عبد الله لتكون توأم «المبادرة العربية» اللتين هما الحل مهما حاول البعض تضييع الفرصة.

عسى ولعل تخف وتيرة الصوت النجادي العاصف لكي يأخذ صوت المجادلة بالتي هي أحسن فرصته الآن اذا اقتنع الرئيس نجاد... او مع الرئيس لاريجاني باعتبار ما قد يكون نتيجة ان النجادية أينعت وان الـ«لاريجانية» حان مجيئها.