على أي «مشروع» إسلامي سيرسو «المزاد» الإسرائيلي؟

TT

أستبعد أن يكون المتابعون العرب قد صدموا بموقف باراك أوباما، موقف المرشح الرئاسي الديمقراطي الأميركي، من أزمات منطقة الشرق الأوسط في أول موقف علني بعد تجاوزه الرقم السحري الكافي لضمانه ترشيح حزبه. فلا مفاجأة في ما قاله أوباما على رؤوس الأشهاد بعدما اختار أن تكون منصة «آيباك» ـ أقوى «لوبي» صهيوني في الولايات المتحدة، واستطراداً، في العالم ـ أول منبر يطل منه ليعلن مواقفه الأولى في مجال السياسة الخارجية.

وحدهم السّذج... والمنافقون يحقّ لهم إبداء الصدمة، أما المحلل الصادق والواقعي فيعرف ماذا ينتظر العرب، كل العرب، في سنة انتخابات رئاسية أميركية.

خلال الأشهر الماضية سمعنا الكثير عن «تجميد» المبادرات والتحركات إلى ما بعد انتهاء عهد جورج بوش «الابن». وسمعنا كذلك كلاماً اتهامياً لإدارة بوش بأنها صارت العقبة الكأداء في سبيل السلام الإقليمي... لأنها لا تكتفي بتحريض إسرائيل على ممارسة العدوان، بل تمنعها أيضاً من التفاوض مع جاراتها الممانعات (!).

وبطبيعة الحال، حتى لو مرّ ببالنا أن ننسى موضوع «الفوضى الخلاقة» التي يقال لنا إنها سمة مشروع واشنطن الإقليمي للشرق الأوسط، فإن الماكينة الإعلامية التابعة لـ«أعداء» واشنطن «الألداء» تواصل تذكيرنا ـ كثر الله خيرها وزاد من أمثالها ـ بهذا الخطر المصيري الداهم... الذي لن يُردّ على أعقابه إلا بهزيمة ساحقة ماحقة لأميركا تنجزها أجساد الأبرياء ومؤسسات الدولة المتداعية في فلسطين ولبنان والعراق.

مَن يعرفون بنية الدولة في الولايات المتحدة وآليات اتخاذ القرار السياسي فيها، كانوا يصغون بمرارة للتحليلات السخيفة والمزايدة المقصود منها تجهيل أو تضليل الإنسان العربي المُحبَط.

فواشنطن «جمهورية» كانت أم «ديمقراطية» تعمل وفق سياسات مؤسساتية منظمة خاضعة للمحاسبة... تختلف تماماً عما يتخذ في بعض عواصم المنطقة من قرارات «شخصانية» مزاجية أو «إلهية». وفكرة تداول السلطة (بعد ولايتين رئاسيتين كحد أقصى) في حد ذاتها تذكّر أي رئيس أميركي بأنه لا يملك الأرض ومن عليها ولا يورثها لمن يشاء. ومبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية يبقي سيف الرقابة مسلطاً حتى على أقوى سياسي في العالم.

من كل هذا نستنتج أنه سواء دخل باراك أوباما أو جون ماكين البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) المقبل، فإن ثمة سياسات أساسية غير قابلة للتغيير. غير أن مشكلة الخارج مع السياسة الخارجية الأميركية أنها تمارس لخدمة الداخل. فغاية الرئيس الأميركي في نهاية الأمر خدمة مصالح بلاده... لا مصالح الآخرين ولا حقوق الإنسان ولا ترويج الديمقراطية ولا أي من الشعارات البراقة... التي تكاد توحي للبعض بأن أميركا مبرّة عالمية ضخمة.

اليوم، بكل واقعية، ثمة «مزاد علني» تجريه كتل الضغط الإسرائيلية عالمياً مستثمرة الحمى الانتخابية الموسمية في الولايات المتحدة. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط تنتظر كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ملفات ساخنة برسم المعالجة، أبرزها الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية، والوضع اللبناني، والحالة العراقية، ومشاكل السودان واليمن وبعض دول الخليج ... وكلها تتفاقم أمام خلفية تصاعد القوة الإيرانية وتغلغلها في طيّات كل هذه الملفات، وغيرها أيضاً.

إيران الطامحة للعب دور إقليمي أكبر بكثير حتى من دور الشاه إبان عصر أحلاف الحرب الباردة، تستقوي اليوم بسلاحين ماضيين هما: «مشروع الشيعية السياسية» القائم على شعارات «التحرير»، والمشروع النووي. وما تعيشه مناطق عدة من الشرق الأوسط من غليان مذهبي مسلّح يؤكد جدية المشروع الأول. وارتباك المجتمع الدولي أمام التحضيرات النووية الإيرانية شهادة بليغة بمهارة عقلية «البازار» الإيرانية في المساومة والمكاسرة والمماطلة لكسب الوقت والوصول إلى تحقيق المبتغى.

ولئن كانت إسرائيل تدّعي القلق حيال الطموح الإيراني، فإن تصرّفاتها على الأرض، وكذلك مقاربات أصدقائها وحلفائها في أميركا وأوروبا، تعطي انطباعاً غريباً بأنها قد لا تجد مشكلة في عقد صفقة كبرى مع «العدو الجديد» و«الصديق القديم»... إيران.

فإسرائيل، رغم الزمجرة الكذّابة، ما فتئت تهدي الانتصار المعنوي تلو الانتصار للفرع اللبناني من «حزب الله»، وهي على أبواب إهدائه انتصاراً كبيراً آخر يتمثل بصفقة تبادل الأسرى المرتقبة.

ثم أنها منخرطة في مفاوضات جديّة مع دمشق، حليفة طهران وراعية مشروع «الشيعية السياسية» في لبنان، ولا يمكن لهذه المفاوضات إلا أن تترك تداعيات لمصلحة هذا المشروع، وأيضاً لصفقة ما في الأراضي الفلسطينية المحتلة تأتي على أنقاض أي حل حقيقي للأزمة الفلسطينية.

أما أصدقاء إسرائيل الأوروبيون، مثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي زار لبنان بالأمس، فهم صريحون في مواقفهم «الحيادية» من أطراف أزمته، وفي تحمّسهم لإعادة تأهيل دمشق كـ«شريك» ضروري في أي تسوية في لبنان والعراق وفلسطين. وبعض هؤلاء يبرّرون مواقفهم هذه بأن الخطر الحقيقي على إسرائيل والمصالح الغربية لا يأتي من إيران أو ما تمثّله إيران، بل من الفكر التكفيري والممارسات العنفية لمتطرّفي رموز «السنيّة السياسية» بما فيها «القاعدة».

«المزاد» الإسرائيلي الحالي، في غياب حسم عسكري مستبعد حتى الآن، سيفضى إلى اتفاق على التعايش، إذاً، مع أحد مشروعين إسلاميين سياسيين. ووفق المؤشرات يبدو أن فرصة إسرائيل مع «الممانعين» ـ بخلاف ما يزعمون ويتعففون ـ طيبة جداًً.