رأيك

TT

إبداء الرأي قضية عويصة عند العرب، ولعل كل من يتابع الفضائيات والاصدارات الصحفية يستطيع الوصول الى قناعة بأن الافصاح عن الرأي والاسلوب المتبع لذلك به مشكلة ليست ببسيطة. فبينما تنظر بعض المرجعيات لأي اسلوب يعبر به الانسان عن رأيه، اذا كان مغايرا لرأي شريحة ما، بأنه «عيب» و«خروج» و«مدعاة للانشقاق»، ولذلك تربى الانسان العربي عموما ولديه شك في إمكانية «البوح» برأيه بحرية وأريحية، وأن السؤال عن رأيه هو مطب وفخ أعدته له أجهزة المباحث والاستخبارات لمعرفة نواياه الخفية وبالتالي كشفها ومعاقبته أو أعدتها أجهزة استخبارات «الإمبريالية والصهيونية» لتجنيده ولخدمة «أغراضها الدنيئة». وهذه الأزمة تأخذ شكلا ساخرا وهزليا هو أقرب للفقرات الكوميدية منها للحقيقة الجادة حين متابعة بعض المقابلات التلفزيونية مع باحثين ومحللين ونقاد، فيكون أحدهم ضيفا وحيدا بالاستديو مع مذيعة فتسأله «برأيك ما سبب الأزمة؟»، فيجيب «أنت تسألينني أنا؟».. وهل يوجد أحد غيره بالاستديو؟ ولكنها الصدمة.. أو في موقف آخر تكرر مذيعة تسأل ضيفها الكبير والخبير القدير بقولها «ما رأيك في قضية كذا؟»، فيجيب بعد أن يتنهد ويغمض عينيه «تريدين رأيي الشخصي؟»، لا يا عزيزي تريد رأيك غير الشخصي ورأي الجيران أيضا! والمثال الثالث هو الآخر يوضح لنا حجم «اللا التزام » وعدم الرغبة في تحمل الموقف حين استضاف احد البرامج المعروفة ضيفا ثقيلا ووجه له مذيع الحلقة سؤالا مباشرا قال له فيه «نريد طلبا إذا أمكن؟ هل من الممكن أن تحدد لنا موعدا للقاء قادم؟»، أجاب والابتسامة بالكاد تظهر على وجهه «أنا أرى وأجزم بالنسبة لي قطعيا هو كما تريدون» يا له من موقف شجاع وحازم!! ولا يمكن نسيان النماذج المختلفة «المرعوبة» التي تفاجئها الكاميرا والمايكرفون وتطلب منهم الاجابة أو التعليق على قضية عامة محلية، فتبدأ الجباه في العرق وتتسع العيون خوفا ورعبا وتخرج الحروف والكلمات بتردد وتهتهة، وكذلك تبدأ معاني الكلمات في الخلط والارتباك فتتكون جمل لا معنى لها ويظهر بسرعة أثر العامل النفسي للموقف وأنه لا بد من المديح والتطبيل والرقص إن أمكن والاعتذار تقريبا من «حماقة» المذيع الجاهل، الغبي الناكر للجميل والمعروف الذي تجرأ وشكك في «وطنيتي» وفي «تجاوب الحكومة» في كل مسألة وأمر، ويكاد الضيف أن يخر معتذرا على الهواء وهو يختم حديثه. منابع الخوف والتأزم النفسي هي ركام وتجمع توارثته الأجيال العربية إبان حقب الظلام حتى تحولت الى سلوك ونمط أدى الى انحدار الثقة بالنفس والتشكيك المستمر في نوايا الغير، وأتذكر نكتة كانت تروى عن حقبة جمال عبد الناصر وعن الذعر الذي كان يحياه الناس والشكوك المتأصلة من مراقبة أجهزة المباحث لكل تصرفاتهم وحركاتهم (إثنان كانا يصعدان حافلة الاتوبيس، فبادر الأول بالتأفف وقال «غير معقول الجو حار جدا»، فأصيب زميله بالخوف وبدأ عليه الذعر الشديد ورد عليه وهو يلتفت يمينا ويسارا «وطي صوتك ليسمعونا!»).. ولذلك أضحك وأبتسم وأتعجب من نتائج استطلاعات الرأي التي يتم الاعلان عنها وتوضح لها موقفا أو ميولا وتبين لنا نصيبا من السوء أو ما شابه ذلك وأتساءل.. يا ترى كيف طرح السؤال؟

[email protected]