.. ومشكلة العراق في «ربطة العنق»

TT

يقول السيد علي خامنئي إن مشكلة العراق الأساسية تكمن في التدخل الأجنبي الذي يحول دون تقدم العراقيين وتوفير العيش الكريم لهم. والحقيقة أن مشكلة العراق أبسط من ذلك، وأعقد. مشكلة الدولة العراقية تتلخص في «ربطة العنق».

فكما أظهرت الصور التي بثت للقاء المرشد الأعلى الإيراني ورئيس الوزراء العراقي، فإن السيد نوري المالكي قام بخلع ربطة عنقه عند لقاء السيد علي خامنئي، على الرغم من أنه لم يفعل ذلك أمام أحمدي نجاد، حيث أن الإيرانيين يرون في «ربطة العنق» رمزا «للإمبريالية الغربية».

في منطقتنا لرمزية الصورة مصداقية أعلى مما يقال، فطالما أن السيد نوري المالكي لم يستطع ارتداء «ربطة العنق» أمام مرشد إيران الأعلى، فكيف سيستطيع مصارحة طهران ومواجهتها بالحقائق كما يقول؟

مشكلة العراق هي إيران. و«ربطة العنق» تلخص أشياء كثيرة. أما الأجنبي الذي تحدث عنه السيد خامنئي فهو الذي أسقط نظام صدام حسين، وسمح للسيد المالكي بالوصول إلى منصبه، وهذا ما لم يستطع الإيرانيون، أو المعارضة العراقية فعله بأنفسهم. هذه هي الحقيقة.

مشكلة العراق الحقيقية تتلخص فيما قاله الولي الفقيه، بأن «مساعدة العراق واجب علينا شرعا». عبارة فضفاضة ينطوي عليها الكثير، فقد تعني التدخل في الشأن العراقي، وهذا ما يفعله الإيرانيون الآن، وقد تعني الاستحواذ على الدولة العراقية، وهذا ما يجري على قدم وساق.

وقبل هذا وذاك، فإن هذه العبارة تكريس حقيقي لاستعمال الدين لأغراض سياسية، وللأسف فإنها على الجانب الإيراني تنحسر يوما بعد آخر لتصب في التفرقة المذهبية. خطورة إيران في العراق، أنها تحتوي طرفا بالدافع المذهبي، وتحتوي الآخر بالمال السياسي، من ارتباط اقتصادي وغيره.

عراق اليوم يختلف تماما عن عراق الأمس؛ بالأمس كان العراق نقطة خطر تهدد الجيران، أما اليوم فخطورة العراق تكمن في سهولة اختراقه. وإذا كان العراقيون، في إطار السعي لبلورة الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها مع أميركا، فمن المهم إنجاز المصالحة العراقية ـ العراقية، ومراعاة أبناء الشعب الواحد، أكثر من مراعاة الجار الإيراني، أو غيره من دول الجوار.

بناء دولة عراقية موحدة بجبهة داخلية متماسكة هو الحل، أما دولة عراقية قائمة على مراجع دينية فلن يكون بعيدا عن لبنان، بل قد يكون أسوأ من ذلك كثيرا، وأخطر على العراقيين ككل، وعلى دول الجوار العراقي بما فيها إيران.

حينها لن تكون الدولة العراقية عامل استقرار بالمنطقة، ورافدا فكريا وثقافيا واقتصاديا، بل بؤرة طائفية منها ينطلق الشر، وكلنا اليوم يرى رأس الفتنة المذهبية المقيت يلوح في أفق المنطقة، مهما حاول البعض التقليل منها أو إنكارها.

ولذا إذا ما رأينا السيد نوري المالكي مرتديا «ربطة العنق» أمام السيد خامنئي فحينها نستطيع أن نقول إن العراق قد تعافى وفك عنقه من الأسر الإيراني. أما إذا طال الحال فصدقوني حينها سنرى كثرا من ساسة منطقتنا بلا «ربطة عنق» أمام الولي الفقيه!

[email protected]