هل رأى بشار الحقيقة في دبي؟

TT

قال لي صديق إنه شاهد الرئيس السوري بشار الأسد يجلس بجانب الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الإمارات، وحاكم إمارة دبي، يتجولان بين المباني الحديثة. كان الشيخ محمد هو الذي يقود سيارته، ويقوم بدور المرشد السياحي في منطقة جميرا التي أصبحت تشبه مانهاتن النيويوركية، بعمرانها الشاهق الذي يسد الأفق.

تذكرت مقالا كتبته قبل أكثر من عام تمنيت فيه على الرئيس السوري أن يزور دبي، ويطلع على معادلة نجاح هذه الإمارة الخليجية بلا نفط وجيش وحسابات مالية خاصة ضخمة. الكلام النظري غير قابل للتصديق، لكن سيرى أمامه نموذجا حيا لم ينقطع عن التطور منذ اقل من عشر سنوات. لا أدري إن كان الرئيس السوري يهمه العمران في أبو ظبي ودبي وبقية الخليج، التي تتقاتل على الإسمنت والحديد في نهضة عمرانية هائلة، أو يهمه أن ينجز معاملاته السياسية. لا أدري حقيقة اهتماماته، لكن من المؤكد أنه رأى الدليل القاطع على أن سورية يمكن أن تكون دولة عظيمة في منطقتنا من دون الحاجة إلى الانجرار وراء الخلافات اللبنانية التافهة أو التمسك بقوانين إدارية بالية في الداخل السوري. دبي معمل جيد لمن أراد أن يرى إمكانية الانتقال من حال إلى حال، بأقل قدر من المخاطر والأخطاء، فيها تجربة إدارية جيدة. والشيخ محمد، لا الرئيس بشار وحده، هو الآخر يواجه تحديات سياسية، فهو يبني على حافة الحدود مع إيران، ولا يزال في خلاف لا بد أن يحل سلما أو تنشب حرب مع إيران على جزرها المحتلة، وغيرها. مع هذا لم يؤجل ملفاته كما أجلت سورية ملف التنمية.

هناك بعض القواسم المشتركة بين الاثنين، ولا أود أن أغضب أيا منهما على اعتبار أن إغضاب مدير إدارة صغير ثمنه باهظ في عالمنا، فما بالكم برؤساء دول، لكن القاسم الأساسي واضح حيث أن كليهما يملك سلطات شبه مطلقة، يستطيع كل قائد أن يقرر ويغير الكثير، إن شاء أن يستخدم صلاحياته. فما حدث في دبي وجعلها تنهض في سنوات قليلة ارتكز بشكل أساسي على قراراته كمسؤول، قلل من البيروقراطية، ومنح مؤسسات ومواطني ومقيمي إمارته الكثير من الحقوق الممنوعة في عموم المنطقة. أطلق من خلال قراراته العنان للمستثمرين، والمطورين، والحالمين، والمغامرين، والباحثين عن الفرص، فصاروا مثل الخيول تتسابق من اجل مشروعه التنموي الكبير. هكذا بنى الشيخ مدينته بسرعة الضوء. والرئيس بشار، بدوره، يملك صلاحيات هائلة يستطيع لو اقتنع بصوابها وأسس لسورية مشروعا طموحا أن يغير وضع بلاده ومستقبلها ويبدأ تاريخا جديدا، وهي أكبر إمكانيات ذاتية من إمارة دبي. إذا القرار سياسي والإرادة شخصية، رؤية تتطلب شجاعة لا تقل عن شجاعة المعارك التي تخوضها دمشق اليوم بلا فائدة. معارك سورية في بيروت والخلافات المؤقتة تستهلك الكثير وتنتج القليل، إن لم تلد أوراما خطرة. لو نجحت دمشق في تطوير نفسها لصار كل الزعماء اللبنانيين يحلمون ببيت في دمشق أو شقة في اللاذقية، لا العكس.

لا أريد تبسيط مشكلة سورية بوصفة علاجية بزيارة سياحية للرئيس في دبي، إنما أمام كل زعيم، مهما عظمت مشاكله أو كبرت أحلامه، أن يرى الفرص وينتهزها، لا أن يكون أسير مشاكله الموروثة، أو يبقى قيد ظروف سياسية.

[email protected]