أمريكا.. الوجه الذي لا يراه الكثيرون

TT

زار برنارد شو الولايات المتحدة الأمريكية بعد تمنع طويل، وكان يبرر ساخرا عدم ذهابه إلى هناك بقوله: «أي جنون يمكن أن يدفع إنسانا يعيش في لندن للسفر إلى أمريكا؟!».. وحتى حينما أصبح في عقر دارهم، وشاهد بعينيه قدر الحفاوة التي أحيط بها هناك ظل يردد على مسامع مستقبليه من الأمريكان: «لقد نعتكم بأنكم مجموعة من المزارعين، وان 99% منكم حمقى، ومع هذا تحتفون بي، وتبالغون في استقبالي، عجبا لأمركم!».. ومن الأدباء الذين قسوا في أحكامهم على أمريكا والأمريكان أيضا الكاتب الروسي مكسيم غوركي، الذي وصف أمريكا بأنها سلة قمامة أوروبا، ووصف شعبها بأنهم «أدوات عمياء في يد شيطان الذهب».. كما اعتبر عالم النفس العربي الكبير الدكتور يحيى الرخاوي الشعب الأمريكي بأنه مثل خلطة الكشري لا يجمعه شيء..

لكن أمريكا ـ التي كرهها غوركي، ولم يطق برنارد شو البقاء فيها، واعتبرها الدكتور الرخاوي خلطة كشري ـ لها في ذاكرة بعض من عاشوا فيها صور بهية رائعة، وأنا بطبيعة الحال لا أتحدث هنا عن السياسة الأمريكية، ولكنني أتحدث عن الناس والبلد الذي قضيت فيه ثلاث سنوات، زرت خلالها أكثر من 30 ولاية، ودرست في ثلاث من جامعاتها، وعاشرت الكثير من أهلها، وكل ما تختزنه الذاكرة مجموعة من الصور الإيجابية لمجتمع يحمل منظومة من القيم الجميلة السامية، خاصة ما يتصل منها بالإنسان..

أعرف أن الزمن الأمريكي قد تغير عن فترة السبعينات التي عشت فيها، وأن الإعلام والسياسة ربما أفسدا قليلا حالة الانفتاح التي كان يعيشها الأمريكي على الآخر، لكنني على ثقة بأن الإنسان الأمريكي نقي الجوهر، ثري الطيبة، أقرب إلى الواقعية، ونقطة ضعفه الكبرى تأثره بالإعلام، نتيجة ميله لافتراض الصدق في كل ما يقرأ ويسمع، حتى بعض المواقف التي نستشعر فيها شيئا من عدم الفهم الاجتماعي لقضايانا لا يمكن تبريرها إلا بفشل الإعلام العربي وعجزه عن تنقية الشوائب التي علقت بالصورة العربية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر..

وأستحضر من الذاكرة صورة سيدة أمريكية عجوز كانت ضمن الأسر التي تحتفي بالطلاب الغرباء، وكنت وزوجتي من أصدقاء تلك السيدة التي لم تكن تترك خبرا إيجابيا تنشره الصحف الأمريكية عن الإسلام أو السعودية والعرب إلا وتأتي بقصاصته إلينا، وأتساءل إن كانت تعيش اليوم: هل تراها تحتفظ بنفس الروح الاحتفائية الجميلة التي كانت تتعامل بها مع الطلبة الغرباء أم أن ذلك أصبح جزءا من الماضي؟

الوجه الانفتاحي الجميل لأمريكا الذي أتحدث عنه هو الذي جعل من ابن حسين أوباما الكيني المسلم، وحفيد راعية الغنم في أفريقيا يطمح إلى اعتلاء كرسي رئاسة أمريكا، ففي أي مكان من العالم يمكن أن يحدث مثل هذا؟!

[email protected]