غيرة المرأة وغيرة الرجل

TT

المعتاد أن نلصق صفة الغيرة بالنساء، على اعتبار ان كل واحدة منهن تغار من صاحبتها او ضرتها او حتى شقيقتها، وتقيم الدنيا وتقعدها اذا لاحظت زوجها يبلبص على امرأة أخرى في مجلس مختلط، حيث توجد مجالس مختلطة. وياما انهارت حياة زوجية وانتهت عند القاضي بالطلاق بسبب غيرة الزوجة. وقد أمعن الأدباء في تصوير هذه العاطفة الجامحة وما تؤدي اليه.

نحن نتهم المرأة بهذه الصفة ولكننا في الواقع أكثر منها تعصبا وعصبية في هذا الشأن. أعطانا شكسبير صورة من ذلك في مسرحيته الخالدة «عطيل»، حيث غار الرجل على زوجته دزدمونة من شبح رجل تصوره عشيقا لها فقتلها.

للمرأة نوع واحد من الغيرة محصورة بالزواج والحب والهيام. ولكن للرجال أصنافا عديدة من ذلك. هناك الغيرة المهنية بين الأدباء والشعراء. يقال لا غيرة في الكون أشد من غيرة أديب من أديب عندما يسمع الاول بأن الثاني نال جائزة كبيرة أو نشر كتابا رائجا او وقعت في حبه كوكب حسناء من كواكب المسرح والسينما. قلما تجد ميدانا من ميادين الأدب والفن يخلو من ملحمات هذا النوع من الغيرة. سل أي شاعر من الشعراء عن رأيه بنزار قباني لترى ما أعنيه. لم يغر عبد الوهاب البياتي على زوجته كما غار من نزار قباني.

ولم يغر الرصافي من احد كما غار من الزهاوي.

لم ينج من الغيرة حتى بعض زعمائنا. لربما نكتشف ان غيرتهم تتجاوز غيرة أي امرأة من امرأة جميلة أخرى. وأرجو إلا أبالغ اذا قلت ان الكثير من مشاكل حياتنا السياسية يعود الى غيرة زعيم من زعيم آخر. هذا ما عكر العلاقات بين سورية والعراق في السنوات الفائتة، بسبب غيرة صدام حسين من حافظ الأسد. تفاقمت هذه الغيرة في العراق في الخمسينات في ايام نوري السعيد. وعندما تسلم عبد الكريم قاسم الحكم أصبح أي تعبير عن المحبة لجمال عبد الناصر جريمة تجلب عليك الويل والثبور.

ويمكننا ان نرجع بذلك الى الوراء. فمن الشائع انه بعد ان زار محمد عبد الوهاب العراق وغنى أغنيته الشهيرة «يا شراعا وراء دجلة يجري» بعد وفاة الملك فيصل الأول، زعل الملك فاروق على عبد الوهاب ومنع إذاعة هذه الأغنية من راديو القاهرة. وهو كما أرى من أسوأ أنواع الغيرة ان يغار إنسان من ميت. ولكنهم معشر الرجال. ما أكثر ان نغار حتى من الموتى. سمعت ان شيئا مشابها جرى لأم كلثوم بعد زيارتها للعراق.

ويظهر ان الملك فاروق كان يعاني من تضخم في غدة الغيرة. فمن الشائع أيضا انه أوعز للكاتب المبدع عبد القادر المازني ان يتوقف عن مشروع كتابه عن تاريخ العراق المعاصر، الذي عزم على كتابته بعد زيارته لبغداد.

قولوا معي، يا ساتر من غيرة الرجال، ولا سيما عندما يصبحون زعماء.