تفعيل المبادرة العربية برسم الإدارة الأميركية الجديدة

TT

هل كان من الخطأ المراهنة أو الاعتماد على وعود فريق محدد في الإدارة الأميركية؟ وهل شعر بعض المسؤولين اللبنانيين، أو شعر آخرون فلسطينيون بأنهم استُعملوا من ذلك الفريق الأميركي؟ لقد صدّق هؤلاء الوعود التي أغدقها عليهم مكتب نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني، وما رافقتها من وعود من قبل ايليوت ابرامز نائب مستشار الامن القومي الاميركي.

الفريقان اللبناني والفلسطيني انطلقا في تطلعاتهما بعدما تأزمت ظروفهما، لأن مناوئيهما في لبنان وفلسطين يتلقون دعماً مفتوحاً من ايران وسوريا، والفريق اللبناني بالتحديد دفع ثمناً غالياً من اغتيالات في صفوفه وقلق على مستقبله، وكان في حاجة الى التمسك بكل دعم دولي يتلقاه رغم ما كلفه ذلك من اتهامات كثيرة.

لكن المشكلة الكبيرة، انه في خضم ما كان يعاني منه وما كان يتمناه، لم يتنبه الى انه جرى استعماله، ليس لقلب النظام السوري، إنما للضغط على سوريا كي تقف مع واشنطن في العراق. اي انه لم يحدث ابداً ان فكرت الإدارة الاميركية بقلب النظام في سوريا. ثم بعد «الفياسكو» في العراق، لم يعد في استطاعة اميركا ان تضرب بلداً ثانياً. ولن يحقق كبار عسكريي البنتاغون خطة تشيني، المتجددة دائماً، في ضرب اهداف داخل ايران. وكان سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى حتى فترة قصيرة، كشف اخيراً عن أن رئاسة الأركان الاميركية رفضت خطة اقترحها تشيني الصيف الماضي لقصف منشآت نووية إيرانية.

لا تزال ايران هي المشكلة الأولى لأميركا وليس سوريا. الخطأ ان الطرفين اللبناني والفلسطيني صدقا وعود ابرامز، لكنه لم يعطهم اكثر من الكلام المعسول. والخطأ الآخر ان اللبنانيين والفلسطينيين حاولوا الوصول الى آذان الرئيس الاميركي عن طريق مساعد غير مهتم بالمصالح اللبنانية او الفلسطينية، وفشلوا بالتالي في فتح قنوات مع الرئيس مباشرة أو عبر افراد لهم علاقة بالرئيس.

استغل ابرامز موقعه كونه قريباً من البيت الأبيض، ولأن ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي ضعيف، زاد هذا الضعف من نفوذ ابرامز عند الفريقين اللبناني والفلسطيني. وليس هذان الفريقان فقط من اخطأ، فكثيرون من العرب لم يعرفوا القنوات التي كان بإمكانها ايصالهم الى الرئيس الاميركي بموضوعية، والذي زاد من البلبلة ان مسؤولين اميركيين يقولون صراحة، عند الاتصال بهم: «ان مصالحنا في العالم العربي غير مهددة، فلماذا نغير سياساتنا؟».

لقد حاول ابرامز، جاهداً، ان يسبب مشاكل بين مصر والسعودية واميركا، والخطاب الذي القاه الرئيس جورج دبليو بوش في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي الأخير، تضمن أفكار ونصائح ابرامز. ويروي لي مسؤول اميركي مخضرم، اساليب ابرامز غير البريئة، قال: «خلال زيارة الرئيس بوش الاولى الى الشرق الاوسط في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، واثناء التحضير لها، اقترح ابرامز ان يدعو بوش الرئيس المصري حسني مبارك الى الرياض لمقابلته هناك. سبّب هذا الاقتراح عاصفة احتجاج داخل الادارة، وتدخل عدد من المسؤولين السابقين وابلغوا الرئيس ان هذا التصرف يُعتبر اهانة، وساهمت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس بمساعدة بعض المسؤولين السابقين في ادارة والده، في اقناع بوش بالسفر الى مصر».

وحسب محدثي، اراد ابرامز التسبب بمشاكل «لأنه لو حصل هذا لكانت ردة فعل مصر عنيفة، وهذا كان سيؤدي الى مشاكل بينها وبين اميركا».

لكن، ما دفعه الى ذلك؟ يقول المسؤول الاميركي: «ان ابرامز لا يريد أي علاقة قوية بين اميركا ومصر، أو بين اميركا والسعودية، كي تقبل الدولتان العربيتان بالسياسة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية».

لقد اتخذت رايس ما تتطلبه المصلحة الاميركية من علاقات جيدة مع مصر والسعودية، وحاولت جهدها لاقناع رئيسها كي يتدخل في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهي لذلك، استعانت ببعض الفعاليات الاميركية المؤثرة كي تقنع الرئيس بأن يكون انشط. لكن الآن، رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت مصاب بالشلل السياسي، والفلسطينيون تأخروا كثيراً عن الإصغاء إلى مصر في فتح حوار في ما بين السلطة في الضفة و«حماس» في غزة.

ولم تسلم رايس من هجوم المحافظين الجدد عليها. ففي مؤتمر «ايباك» الأخير، شنت اليزابيث تشيني النائبة السابقة لمساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى، هجوماً قوياً على رايس، وعلى جهودها لتحقيق اطار سلام بين الفلسطينيين واسرائيل قبل مغادرة بوش الرئاسة واعتبرت مؤتمر «انابوليس» مضيعة للوقت «مقارنة بأهمية التركيز على ايران»، وقالت: «عندما نركز على هذا النوع من الترتيبات (مفاوضات سلام بين اسرائيل والفلسطينيين)، لا يعود لدينا وقت للتركيز على ايران..»، وأضافت: اذا لم يقتنع الايرانيون بضرورة الالتزام بطلبات مجلس الأمن بوقف تخصيب اليورانيوم، «فإنهم سيواجهون عملاً عسكرياً».

هذا الهجوم أحرج رايس، فاضطرت للدفاع عن نفسها في كلمتها امام مؤتمر «ايباك»، كما عبرت عن شكوكها باحتمال التوصل الى وضع اطار لاتفاقية سلام بين الفلسطينيين واسرائيل قبل نهاية ولاية بوش.

ان ولاية بوش تقترب من نهايتها، وفعلياً، بعد انتخاب الرئيس المقبل في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، يُفترض بالرئيس الحالي ان يستشير الرئيس المنتخب في كل قرار سيُقدم عليه. ويقلل محدثي الاميركي من تهديدات دانيال بايبس وهو من البارزين في المحافظين الجدد، بأنه اذا انتخب باراك اوباما المرشح الديموقراطي، «فإن الرئيس بوش سيشن حرباً على ايران، قبل ان يغادر البيت الأبيض»، وكأنه واثق بأن جون ماكين سيشن تلك الحرب!

من هنا، على العالم العربي أن يفكر في تفعيل المبادرة العربية التي تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002، لاقناع الإدارة الاميركية الجديدة بأن هدف العرب الاستراتيجي هو السلام، ولأنه اذا انتخب اوباما، فإن الاولوية عنده ستكون ايجاد مخرج لمشكلة العراق، ولأنه مضطر لإيجاد الحل مع بداية العام 2010 فإنه في حاجة الى السعودية، والاردن، وسوريا وايران وتركيا.. فهل يتعامل معه العرب بواقعية؟

أما اذا جاء جون ماكين المرشح الجمهوري، فهو قد يعين جو ليبرمان وزيراً للخارجية، وعدد كبير من مستشاري ليبرمان من المحافظين الجدد أو الجمهوريين التقليديين، وحتى لو انتخب ماكين، فإنه لن يسير كلياً حسب سياسة الرئيس بوش، وان كان لمح الى «احتلال دائم».

يلفتني محدثي الى ان الاتجاه الآن لتخفيف التشنجات في الشرق الأوسط، وليس لحل كل الأزمات الاستراتيجية، وعلى الفريق اللبناني وأيضا الفلسطيني، اللذين راهنا على وعود ابرامز ان يسترجعا عبارة مأثورة لوزير الخارجية الاميركي السابق هنري كيسنجر تقول: «ان ما خسرته في ساحة المعركة لا يمكن ان تسترجعه على طاولة المفاوضات». ويصر على توجيه النصيحة الى الفريق اللبناني، بألا يكرر نفس الأخطاء حيث كانت امامه فرصة التوصل الى اتفاق قبل اشهر وقبل حوادث بيروت (7 أيار/ مايو) التي اثبتت عبرها ايران وسوريا و«حزب الله» عدم الخوف من اميركا.

على اللبنانيين الاسراع في ايجاد حل سياسي وتشكيل حكومة كما نص اتفاق الدوحة، وعليهم ان يدركوا ان ما يفعله القطريون يكون موافقاً عليه من بعض الدوائر الاميركية المؤثرة، التي ترى انه لا بد من تهدئة الازمات الكبرى التي تهدد السلام في المنطقة، استعداداً لاطلاق توجه ديبلوماسي «يساعد في اعادة ايران الى دورها التقليدي في التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من اجل تأمين استقرار الخليج» (زبيغنيو بريجنسكي في «واشنطن بوست» يوم 27 ايار/ مايو).

اما بالنسبة الى سوريا فليس من مصلحتها التسبب في اي مشكلة، لأنها تتطلع الى الادارة الاميركية المقبلة، ولأن انتخاب العماد ميشال سليمان في لبنان، وهو ليس ضدها، فتح في وجهها ابواب قصر الاليزيه. وبالتالي على اللبنانيين ان يعرفوا، ان ادارة بوش، رغم كلام المساندة اليومي للحكومة، ظلت وحتى الآن، مترددة في اظهار «عضلاتها».