الاستمتاع باللحظة

TT

تزامن يوم الجمعة قبل الماضي مع ذكرى وفاة روبرت إف. كنيدي. ولو كان الأجل امتد به حتى اليوم، لكان بلغ الثانية والثمانين من العمر الآن. وبصورة ما، فمن المستحيل الإجابة عن تساؤلات «ماذا لو» المرتبطة بالتاريخ. ومع ذلك لا أستطيع منع نفسي من التفكير في الموقف الذي كان سيتخذه كنيدي، الرجل المثقف ذو الحس الأخلاقي الرفيع، تجاه اختيار الحزب الديمقراطي لباراك أوباما مرشحاً في الانتخابات الرئاسية القادمة. ربما لم يكن كنيدي سيشعر بالصدمة، خاصة أنه واجه انتقادات بـ«أنه يحلم» عندما قال في مطلع الستينات إنه من الممكن انتخاب شخص أسود رئيساً للولايات المتحدة في غضون الأربعين عاماً التالية.

في الواقع، بالنظر إلى حقيقة أنه حتى الشخص الحالم لم يكن باستطاعته تقصير الفترة المتوقعة لتحقق الحلم عن أربعين عاماً، يتجلى الحجم الهائل للقمع العنصري الذي تعين على الأفراد المتميزين بحسن النية مقاومته.

وكانت الولايات المتحدة عام 1968 (نفس العام الذي شهد اغتيال الدكتور مارتن لوثر كينغ) مختلفة أشد الاختلاف عما عليه الحال الآن لدرجة جعلت من العسير على معظم جيل الشباب تخيلها. عام 1968، كانت فكرة إمكانية تمتع شخص أسود ـ أو امرأة ـ بفرصة حقيقية للوصول إلى منصب الرئاسة سيجري النظر إليها على مستوى واسع باعتبارها ضربا من الجنون.

وفي كتابه الجديد عن كنيدي بعنوان «الحملة الأخيرة»، أشار ثرستون كلارك إلى أنه أثناء قيام كنيدي بجولة داخل أحد المصانع التابعة لشركة «فورد» في ولاية إنديانا، رفض عامل أبيض مصافحته اعتراضاً على المودة التي يبديها تجاه السود.

وفي عام 1968، شارك جورج والاس في السباق الرئاسي واتبع آراءً صارمة إزاء القضايا العنصرية وكان شعاره: «الفصل الآن! الفصل الغد! الفصل للأبد!». يذكر أن هذه الانتخابات فاز بها ريتشارد إم. نيكسون الذي اتبع سياسة الاستقطاب العنصري التي انتهجها الحزب الجمهوري.

أما المرأة عام 1968 فعانت من مشاعر عداء عميقة لها لم تقل في ضراوتها عن العنصرية. وانتشر التمييز على أساس النوع على نطاق واسع لدرجة أنه لم يجتذب الانتباه باعتباره أحد الظواهر المألوفة. على سبيل المثال، رفضت الكثير من محال البيع بالتجزئة خلال تلك الفترة إصدار بطاقات ائتمانية للسيدات المتزوجات تحمل أسماءهن. وتمتع أصحاب العمل بالقدرة على فصل النساء دونما أدنى عقاب حال إقدامهن على الزواج أو حملهن أو إذا افتقرن إلى الجاذبية أو بلغن الثلاثين من العمر. وطبقاً لبيان صادر عن المنظمة الوطنية للمرأة عام 1966، فإن أقل من 1 في المائة من جميع القضاة الفيدراليين، وأقل من 4 في المائة من المحامين، وأقل من 4 في المائة من الأطباء كانوا من النساء.

وحتى هذه اللحظة، لم تختف من الولايات المتحدة تماماً جميع مظاهر العنصرية والتمييز على أساس النوع، لكن تبقى مسألة كون أوباما مرشحاً للرئاسة الأميركية، ودخول رجل أسود وسيدة بيضاء في التنافس على ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، أحداثاً تاريخية على أعلى درجات الأهمية. وعلينا ألا نفوت على أنفسنا الشعور بروعة هذه اللحظة.

إن هذا العام الانتخابي جاء تتويجاً لعقود طويلة من العمل الدؤوب والتضحيات من قبل رجال ونساء ـ بعضهم نال حظه من الشهرة والبعض الآخر لا ـ سعياً وراء بناء مجتمع أميركي أكثر عدالة وإنصافاً. وعندما سعى والاس لتطبيق توجهاته العنصرية، واستهزأ المنحطون وأذلوا المناضلين من أجل حصول المرأة على حقوقها، كان هدفهم الحيلولة دون الوصول إلى هذه اللحظة.

وستكشف الفترة القادمة ما إذا كان أوباما سيصل إلى البيت الأبيض أم لا، ولكن بغض النظر عن النتيجة النهائية، تبقى الحقيقة أن على جميع الأميركيين الشعور بالفخر إزاء اللحظة الراهنة، وهي لحظة بمقدور المجتمع البناء عليها واستثمارها في ما بعد. إنها لحظة انتصار، ليس لأوباما فحسب، وإنما لكل من رفضوا الخنوع للكراهية والقمع وعملوا على الوصول بنا إلى مكان أفضل.

* خدمة «نيويورك تايمز»