إنها أميركا الجديدة

TT

يقول المؤيدون المتحمسون لباراك أوباما، إن وصول أوباما للبيت الأبيض سيساعد على تغيير أميركا. ولكن، مع الاحترام الكامل للمرشح، فإن هذا من شأنه أن يعيد أميركا إلى الوراء. نعم، أوباما متحدث بليغ، تمكن من إدارة حملة ذكية، ولكنه لو نجح في نوفمبر (تشرين الثاني) فسيكون ذلك نتيجة التغير الذي حدث في أميركا بالفعل.

فقبل 20 عاما، لم يكن ترشيح أوباما ممكنا، وقد أصبح هذا ممكنا اليوم لأن التقسيم العنصري، الذي عانت منه الساحة السياسية في الولايات المتحدة على مدى أكثر من أربعة عقود، قد تضاءل بشكل كبير.

وتتجاوز تأثيرات اللاعنصرية في السياسية الأميركية إمكانية انتخاب أفرو ـ أميركي رئيسا للبلاد، فبدون التقسيم العنصري، تفقد رسالة المحافظين، التي سيطرت على الساحة السياسية لمدة طويلة، الكثير من اهليتها.

خذ على سبيل المثال، خلال الأسبوع الماضي زعم المتحدث الاقتصادي باسم جون ماكين أن باراك أوباما هو الوريث الحقيقي للرئيس بوش في الشؤون الاقتصادية، لأنه يعتقد في نهج بوش خلال الفترة الأخيرة والمتمثل في «إنفاق المال على كل شيء».

وفي الحقيقة، فقد ظل الإنفاق الكبير لإدارة بوش مقتصرا بصورة كبيرة على متعهدي الدفاع. وبهذا، فإن حملة ماكين تخدع نفسها إذا ظنت أن هذه القضية سيكون لها صداها بين المواطنين. وبالنسبة للأميركيين، فهم لا يكرهون الحكومة التي يسيطر عليها المحافظون بصورة عامة. والواقع أنهم يحبون التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية ويحبون كثيرا المساعدات الطبية ـ وهذا يعني أن البرامج الثلاثة الكبرى التي تسيطر على الإنفاق الداخلي تحظى بتأييد الجمهور.

وإذا كان رونالد ريغان وغيره من السياسيين قد نجح، لمدة قصيرة، في إقناع الناخبين بأن الإنفاق الحكومي كان سيئا، فقد كان هذا عن طريق الإيحاء بأن البيروقراطيين كانوا يأخذون أموال العمال الذين كدوا من أجل كسبها ويعطونها إلى «الشباب المترفين» الذين يستخدمون البطاقات التموينية لشراء اللحوم وفي الإنفاق على سياراتهم الفارهة.

ولكن، لماذا أصبح التقسيم العنصري أقل أهمية في السياسية الأميركية؟

يرجع هذا في جزء منه إلى بيل كلينتون، الذي أنهى الخدمات الاجتماعية بالصورة التي عرفناها. أنا لا أقول أن إنهاء المساعدات في إطار برنامج «مساعدات العائلات ذات الأطفال» كان خيرا محضا، فقد تسبب في صعوبات كبيرة، ولكن ما قام به كان له دور في الخطاب السياسي، الذي كان غير مناسب بشكل كبير للإنفاق الحقيقي في إطار برنامج «مساعدات العائلات ذات الأطفال».

وكما قال المؤرخ ريك برلستين في كتاب جديد رائع تحت عنوان «نيكسونلاند»، بدأ اتجاه أميركا إلى اليمين عام 1966، عندما عانى الديمقراطيون من انتكاسة كبيرة في الكونغرس وانتخب رونالد ريغان حاكما لكاليفورنيا.

والسبب في هذا، كما بين برلستين هو خوف البيض من اضطراب في المناطق الحضرية، والخوف من أن قوانين إسكان عادلة قد تتيح للسود الخطرين الانتقال إلى المناطق التي يعيش فيها البيض.

ولكن خلال الأعوام التي قضاها كلينتون في الرئاسة، ولأسباب لا يفهمها أحد بشكل كامل، تراجعت موجة العنف في المناطق الحضرية، ومعها تراجعت إمكانية قيام السياسيين باستغلال خوف المواطنين الأميركيين.

بالطبع زادت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من نسبة الخوف: فقد بدا اتهام كارل روف لليبراليين بالتساهل مع الإرهاب مثل اتهام سبيرو أجنو لليبراليين بالتساهل مع الجريمة، ولكن مصداقية الحزب الجمهوري كمدافع عن أميركا، قد ذابت في رمال العراق.

ولتسمح لي بأن أضيف فرضية أخرى: على الرغم من أن كل شخص يسخر من التصحيح السياسي، أستطيع القول بأن عقودا من الضغط على الشخصيات العامة ووسائل الإعلام قد ساعدت على إبعاد التمييز العنصري الصريح والضمني من خطابنا القومي. فأنا، على سبيل المثال، لا أعتقد أن سياسيا سينجو إذا ما حاول استخدام إعلان هويلي هورتو (1988) سيئ السمعة.

وللأسف، لم تحقق الحملة ضد كره النساء، نفس المستوى من النجاح. وبالمناسبة كان التمييز العنصري غير مقبول في ذروة الجيل، الذي شهد زيادة كبيرة في عدد المواليد. وقد يرغب أوباما في أن يرجع نصيبا من الفضل للجيل الذي أحدث هذه التغيير وحارب من أجل الحقوق المدنية وتظاهر احتجاجا على حرب فيتنام.

وعلى أي حال، فلن يكفل أي من ذلك الفوز لأوباما في الانتخابات الرئاسية، فقد انحسر التمييز العنصري بصورة كبيرة، ولكنه لم ينته تماما. وتأكد من أننا سنسمع المزيد عن القس جيريميا رايت. أضف إلى هذا، فإنه على الرغم من خطاب الانسحاب البليغ اللبق، الذي ألقته هيلاري كلينتون، فإن البعض من مؤيديها ما زالوا يرفضون الوقوف وراء مرشح الحزب الديمقراطي.

ولكن إذا فاز أوباما في هذا السابق، فسيكون ذلك رمزا على التغير الكبير الذي حدث في أميركا، فقد كان الاستقطاب العنصري قوة مسيطرة في سياسات الولايات المتحدة، التي هي الآن بلد جديد أجمل.

* خدمة «نيويورك تايمز»