«دايرين» السودان بخير

TT

الوضع في السودان مقلق جدا ومحير، أو كما تقول حكمة قرأتها على إحدى عربات الأجرة في مصر: «ما حدش فاهم حاجة». فالاجتماع الأخير الذي تم عقده بين رئيس الجمهورية عمر البشير ونائبه سيلفا كير، وخرجا منه ببيان وتصريح، يوضح أنهما اتفقا على أنه خلال فترة زمنية محددة، إذا لم يتفقا فيها بخصوص مشكلة أبيي، فسيلجآن للتحكيم الدولي.

هذا الاجتماع وضح أن السودان مشاكله تزداد عددا وتزداد تعقيدا، وأن الكل بات مرحبا به للإدلاء بدلوه وطرح اقتراحاته وتقديم آرائه، فالسودان يتسع للكل وأهله كرام.. غامض وغريب وغير مفهوم موقف الحكومة السودانية في قضية دارفور، وكيف سمحت بتفاقمها بهذا الشكل، بحيث تحولت القضية الانسانية الأولى، والملف الرئيسي لكل المتابعين لشؤون حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي دفع رمز المعارضة السودانية حسن الترابي وجماعته إلى «التعاطف» مع الحركة المسلحة لمتمردي دارفور، وهو الذي قام بفعل ذلك لتحقيق مكاسب ومآرب وغايات أخرى سياسية له ولحركته. ولا يزال «التوغل» العسكري المهول والمفاجئ لمتمردي دارفور للداخل السوداني، ووصولهم لقلب أم درمان، مثار تساؤل كبير واستغراب أكبر.

ولعل أبرز تفسير وتأويل لذلك، كان الذي يقول إن الحكومة رغبت في «كشف» وجه آخر لأزمة دارفور غير الأطفال المشردين والنساء الباكيات، والرجال القتلى والمصابين من أبناء المنطقة، هناك وجه مسلح، وجه مدجج بالسلاح تدعمه ميليشيا مسلحة منظمة بقيادة عسكرية جريئة ومحنكة تثير الرعب في قلوب الأبرياء، لتصبح الأزمة قضية أمنية تمس السودانيين أنفسهم، فيتعاطفون مع كل الاجراءات التي تتخذها الحكومة بحقهم وحق من يشبههم. وللآن لا تزال الجزرة البترولية التي تخرج من أراضي السودان برعاية الصين، دعامة نوعا ما ضد القرارات «العنيفة» الممكنة بحق السودان، ولكن المشاكل تبدو أنها الى ازدياد وعدم القدرة على حسم الجدل المتزايد على حقوق المواطنين بشتى أشكالهم وخلفياتهم بشكل نظامي وقانوني واضح وصريح، سيسمح بإنهاء كل أشكال التطرف والتمييز والطبقية التي تأصلت في السودان مؤخرا، بعد أن كان واحة للتعايش السلمي والعقلاني، ولكن غزاها التطرف العرقي والديني، فكان بالتالي طبيعيا أن يحدث ما حدث.

السودان لم يعد فقط مهددا بالتقسيم، ولكن بالتآكل الذي سيبدد الهوية السودانية نفسها. شرق السودان يلتهب وجنوبها على نار، وعلامات الشرر ظهرت في غربه، والنوبة شكواها مسموعة، السودان قلق ومضطرب، والعرب في صمت وذهول، شغلهم لبنان وأذهلهم العراق وانهكتهم فلسطين. تحدي المشكلة السودانية مختلف ولكن الوقت يمضي، والسودان الذي تطوع لحل مشاكل غيره في أكثر من موقع، مطالب بأن يلتفت للداخل الملتهب قبل فوات الأوان. تفتيت السودان سيكون صدمة كبيرة على عرب اعتادوا الصدمات.

[email protected]