الثابت والمتغير في واشنطن

TT

يصعب على كل من تابع «تنافس» مرشحي الرئاسة الاميركية الثلاثة على خطب ود إسرائيل بما يشبه التنافس على البر والتقوى ألا يتساءل: ما سر هذه «الديمقراطية» الفذة التي تسمح لمرشحي الرئاسة بالاختلاف على كل شيء... ما عدا إسرائيل ؟

حتى المرشح «الاستثنائي» في موسم الانتخابات الراهن، باراك أوباما، لم يتوان عن الالتزام بالمحافظة على تفوق إسرائيل العسكري على كل دول الشرق الاوسط وتأييد احتلالها للقدس الشرقية (بداعي الحفاظ على «القدس الموحدة» عاصمة لإسرائيل)، علما ان 11 في المائة من الاميركيين ما زالوا يعتقدون بأنه مسلم، كما ظهر من استفتاء أجرته مجلة «نيوزويك» الاميركية في مايو (أيار) الماضي.

ولأن تلاوة فعل الايمان بإسرائيل و«برسالة» اسرائيل في الشرق الاوسط كانا العنوان الابرز لحملة عام 2008 لم يكن مستغربا أن ينتهي عرض «سيرك» الترشيحات الرئاسية ـ بعد عام كامل على انطلاق فصله الاول وملايين الدولارات المهدورة على عروضه المتنقلة من ولاية الى أخرى ـ بحفلة مزايدة علنية بين المرشحين الثلاثة (أوباما وكلينتون وماكين) على من يستطيع ضمان أمن إسرائيل أكثر من غيره.

ختام مؤسف لحملة انتخابية اعتبر بعض الطوباويين العرب أن مشاركة باراك أوباما فيها، «المتهم» أميركيا بأنه مسلم، قد يعطيها نكهة مختلفة عن سابقاتها. والأدهى من ذلك في حملة لم تغفل التركيز على القيم الاخلاقية، الخاصة والعامة، أن يتجنب أي مرشح رئاسة أميركي مجرد التساؤل عن «أخلاقية» احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية.. مما يوحي بأن حدود الديمقراطية في الولايات المتحدة تقف، وجلا لا خجلا، عند أبواب «اللوبي» الصهيوني النافذ.

ألا يحق لأي مراقب عربي لحملة طرحت فيها كل الأزمات الخارجية على النقاش أن يتساءل لماذا تغيّب القضية الفلسطينية بالذات عن الحملات الانتخابية الاميركية.. وهي القضية التي «تمون» الولايات المتحدة على مصيرها أكثر من أي قضية دولية أخرى؟

هل يصح اعتبار «اجماع» الحزبين الجمهوري والديمقراطي على نصرة اسرائيل عائقا سياسيا أمام الإعراب عن تأييد ولو خجول للدولة الفلسطينية لا يخرج عن نطاق ما جادت به (على الورق) إدارة جورج بوش؟

واللافت، بعد انسحاب هيلاري كلينتون من حلبة سباق البيت الابيض، أن يستعد المرشحان الباقيان (باراك أوباما وجون ماكين) لمبارزة كلامية جديدة تركز على قضيتين شرق أوسطيتين لا تجد القضية الفلسطينية موقعا بينهما:

ـ التباين في موقفيهما من الاحتفاظ بالقوات الاميركية في العراق، وتحديدا خلافهما حيال ما إذا كان الانسحاب العسكري السريع من العراق سيعزز أمن الولايات المتحدة أو يفاقمه.

ـ الفارق بين ما يعتبره أوباما «دبلوماسية»، وماكين «تهدئة»، في إعلان الاول عن استعداده لإجراء حوار مع طهران حول برنامجها النووي (في حال انتخابه رئيسا).

أما الاحتلال الاسرائيلي للقدس الشرقية، وحتى الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والجولان، وضرب اسرائيل عرض الحائط بقرارات الامم المتحدة في هذا الشأن.. فهي مواضيع «محذرة» على النقاش الانتخابي بقدرة قادر (اللوبي الصهيوني) وطمع مزمن في أصوات الناخبين اليهود.

ولكن إذا كانت هيلاري كلينتون وجون ماكين لا يلاما على تأييدهما الجامح لاسرائيل فلماذا لم يجامل المرشح «الاستثنائي»، باراك أوباما، العرب ويعلن، على الاقل، تأييده للحقوق الفلسطينية المعترف بها من الشرعية الدولية في وقت سيحتاج فيه، في حال وصوله الى البيت الابيض، الى مساعي العرب الحميدة ـ إن لم يكن أكثر من ذلك ـ للتعامل مع العقد الشرق الأوسطية الثلاث لبلاده: فك الارتباط العسكري في العراق بما يحفظ ماء الوجه، تسوية موضوع الملف النووي الايراني بحيث «لا يقتل الراعي ولا يفني الغنم» وأخيرا لا آخرا مواجهة الارهاب الاصولي بخطة تحرك تتجاوز العمل الأمني فحسب.

تجارب مواسم الترشيحات الانتخابية في الولايات المتحدة توحي بأن الديمقراطية الأميركية عنوان عريض تختزله اربع أو خمس منظمات «لوبي» نافذة، سياسيا وماليا.

وإذا استمرت مواسم اختيار المرشح الحزبي للرئاسة الأميركية على هذا المنوال، مع كل ما تستتبعه من إنفاق مالي يرتفع باطراد، لن يكون مستبعدا أن تزداد «اللوبيات» الاميركية نفوذا.. واللعبة الديمقراطية الحقيقية تقهقرا.