الاتحاد المتوسطي: الطموح والإمكان

TT

عندما أطلق الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي  مشروع الاتحاد المتوسطي في خطابه الرئاسي الأول عشية فوزه في انتخابات مايو2007 أراده إطارا اندماجيا حقيقيا على غرار الاتحاد الأوروبي، وتعهد بتكريس كامل جهده لهذه المبادرة الطموحة.

نجح ساركوزي في تسويق مشروعه لشركائه الأوروبيين بعد اعتراض ألماني واضح، وتقرر بالفعل إعلان الاتحاد في القمة الأوروبية المقررة في 13 يوليوالقادم. بيد ان الصيغة الجديدة للمشروع تختلف جذريا عن مبادرة ساركوزي، كما يظهر من الخطوط العريضة لبنود برنامج العمل المقترح من المفوضية الأوروبية في بروكسل. انتكس الطموح من فكرة التكتل الاقتصادي المندمج والشراكة السياسية والثقافية الى مشاريع محدودة من قبيل التعاون في مكافحة تلوث مياه البحر المتوسط وبناء طرق الملاحة السيارة ومكافحة الاحتباس الحراري ودعم الطاقات المتجددة.

ولقد بدا من البيان أن مبادرة ساركوزي لم توضع لها الضمانات السياسية الضرورية، وقد اصطدمت بنفس العوائق التي واجهت المشروعين المتوسطيين اللذين سبقاها وهما: حوار 5 +5 ومسار برشلونة.

أما المشروع الأول فهوالذي برز في الثمانينيات وجمع بين بلدان المغرب العربي الخمسة والبلدان الأوروبية المطلة على  الضفة الغربية للمتوسط (اسبانيا وفرنسا وايطاليا ومالطا والبرتغال). وقد ظل هذا المشروع فكرة قائمة، بدت واعدة في فترة الحماس لاتحاد المغرب العربي، وانتكس بعد قرار تجميده. انعقد الاجتماع الأول للمجموعة في روما عام 1990 وتلاه آخر سنة 1991، ثم انقطعت الاتصالات قبل أن تتجدد في لشبونة 2001 وخلال قمة تونس 2003.

ومن الجلي أن هذا المشروع لا يتجاوز في الوقت الراهن حدود المنتدى العام للحوار التشاوري، وينحصر نشاطه في التنسيق الأمني ومحاربة الهجرة غير السرية.

أما مسار برشلونة فقد انطلق في مؤتمر مشهود التأم بالعاصمة البرتغالية في نوفمبر 1995 بحضور 25 دولة أوروبية و10 بلدان متوسطية من الضفة الجنوبية، وحضرته ليبيا كمراقب، وموريتانيا كضيف خاص (قبل ان تنضم مؤخرا الى المسار بصفتها عضوا كاملا). ومن المعروف ان المشروع الذي أطلق في سياق مشروع السلام الشرق أوسطي أريد مبادرة شراكة سياسية واقتصادية وإستراتيجية كاملة، وقد اقر إقامة منطقة تبادل حرة في الفضاء المتوسطي عام 2010. وعلى الرغم من الاجتماعات الوزارية والمتخصصة التي انعقدت بانتظام، إلا أن المشروع اصطدم بقوة بالمصاعب السياسية ذات الصلة بالملف الشرق أوسطي بعد توقف عملية التسوية واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

فإذا كان المشروعان المتوسطيان السابقان قد أخفقا، فبماذا يتميز مشروع ساركوزي الحالي؟ وما هي مؤهلات نجاحه؟

من الواضح أن الخلفية التي انطلق منها ساركوزي تتمحور حول عوامل ثلاثة أساسية لا نحتاج الى بسط القول فيها، وهي: مقتضيات الشراكة الأمنية لمحاربة الإرهاب والهجرة السرية، حل معضلة اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي الذي يواجه اعتراضا فرنسيا حاسما، دفع الحوار الأوروبي ـ الإسلامي. ويتعلق الأمر باهتمامات سابقة وثابتة للرئيس ساركوزي قبل توليه لمقاليد السلطة.

ومن الجلي أن العامل الثالث هو السمة الجديدة في المشروع المتوسطي، وقد اقتضته الأحداث الأخيرة التي ارتبطت بموجة الإساءة  للإسلام ولرموزه في أوروبا، والمشاكل التي أصبح يطرحها اندماج الجاليات المسلمة في أوروبا منذ أن أصبح الإسلام الديانة الثانية في القارة القديمة وعنصرا محددا في هويتها الثقافية والحضارية.

كان المؤرخ الفرنسي الأشهر فرناند برودل، صاحب أهم كتاب حول تاريخ البحر المتوسط، يقول إن المتوسط «هو ألف شيء في وقت واحد. فهو ليس فضاء واحدا بل عدة فضاءات، ولا بحرا واحدا بل عدة بحور متتابعة، ولا حضارة واحدة بل عدة  حضارات متراصة ومتداخلة».

فإذا كان من غير الواقعي اليوم الرهان على اتحاد متوسطي يكون تكتلا اقتصاديا وتحالفا سياسيا، فإن إعطاء المشروع مسحة ثقافية بحيث يكون فضاء للحوار الديني والحضاري طموح مشروع وضرورة عاجلة .