القرار للحكمة والعقل

TT

كتاب للدكتور مروان المعشر، الذي تناوله في هذه الجريدة طوماس فريدمان وديفيد اغناطيوس يتحدث عن الاعتدال العربي في صيغة الخوف عليه. وقد وضع الدكتور المعشر كتابه قبل أكثر من ثلاث سنوات، وهي الفترة التي تضاعفت خلالها محن دول الاعتدال، كما في اليمن أو فلسطين أو لبنان. ويكتب الدكتور المعشر، وزير خارجية الملك حسين، من موقع خبر فيه جيدا انزلاق بعض الدول العربية نحو مخاطر المواجهة والتطرف ونتائجها، كما حدث في العراق، حيث فتح الاحتلال الاميركي ما سماه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك أبواب الجحيم. واليوم نعرف، بعد فوات الأوان بزمن، ان مأساة العراق في نهاية المطاف كانت نتيجة عناد ذي رأسين، تأخر صدام حسين في التراجع وإنقاذ العراق من قرار رجل «يتحدث الى الله» كلما قرر صرف موازنة اميركا في حروب بعيدة. فعندما ابلغ صدام حسين جورج بوش عبر دولة عربية انه مستعد للتخلي عن كل الحكومة مقابل البقاء في أعلى الهرم وانه مستعد لاستقبال 50 ألف مفتش عن الأسلحة النووية، كان بوش ورامسفيلد وتشيني وشركاؤهم قد اسرجوا الخيول وانتهى الأمر.

ماذا حدث خلال هذه المرحلة؟ حدث ان العقل غاب في كل مكان وفقدت الدول والشعوب منطقها وآدابها التاريخية. من كان يتوقع ان يخرج التطرف الغربي من دولة مثل الدانمارك، برغم كل ما كتبه عنها شكسبير قبل خمسة قرون؟ ومن كان يتوقع ان العقل الأوروبي الذي يحرِّم ويجرِّم حتى النقاش في قضية «الهولوكوست» سوف يعتبر ان الهجوم على الاسلام يدخل ضمن «حرية التعبير» دون الأخذ بمشاعر 1.3 مليار انسان.

مؤتمر مكة حول حوار الشعوب كان محاولة لإعادة مسألة العيش فوق هذا الكوكب الى أهل العقل. سمِّه إذا شئت الاعتدال. هذه هي المبادرة الثانية التي يتخذها الملك عبد الله بن عبد العزيز، لجعل ارض الرسالة منطلقا للسلم الكوني. المرة الأولى كانت في اقامة منظمة دائمة لمكافحة الارهاب. ولم يكن صدفة ان يعقد المؤتمر الأول في الرياض والثاني في مكة. فالصورة الحقيقية للاسلام لا يمكن ان يفرضها فقهاء العنف والعودة الى العصور الوسطى. عندما يريد المؤتمنون الأمناء ان يطلقوا النداء الحقيقي، يختارون مكة دون سواها. النداء والمكان.