وينك يا درب المخدّة

TT

أكتب هذا المقال في غرفتي بفندق من فنادق (هيلتون)، وأريد أن أنهيه على عجل لكي لا تفوتني دعوة خاصة (محترمة) أكون فيها «محفول مكفول» (من ـ إلى)، ولم يتبق على الموعد غير نصف ساعة لأنتقل مع المدعوين إلى مكان خارج الفندق.

وحيث أنه لا يوجد موضوع مرتب في ذهني الآن، فقد خطر على بالي في هذه اللحظة نتيجة (للزوم السرعة) أن أقتبس بعض ما قرأته عن مؤسس هذه السلسلة المدعو (كونراد هيلتون) الذي كان عضوا بهيئة التشريع في ولاية كاليفورنيا، وذهب في سنة 1919 لتكساس ليستثمر في بنك، وعندما أراد أن ينزل في فندق لم يجد لنفسه مكاناً يؤويه، فقد كانت كل الغرف محجوزة، ومعاملتهم غير لائقة.

قرر في تلك الليلة أن يدخل في مجال الفنادق، فما كان منه إلاّ أن يجمع 5000 دولار كان كل ما وفره، واقترض 20000 من البنك، إضافة إلى 15000 جمعها كقرض من بعض الأصدقاء واشترى أول فندق صغير، ولم تمض عشر سنوات حتى اشترى سبعة فنادق.

ويرجح السيد (كونراد) نجاحه في هذا المجال إلى أربعة عوامل: المخاطرة، الابتكار، الجودة، والتحدي.. وهو يؤكد أنه لو وجد غرفة شاغرة في ذلك اليوم الذي أتى فيه إلى تكساس، لم يكن ليفكر على الإطلاق في شراء فندق، وهذا ما يبعث أحياناً على الدهشة.. واليوم ها هي فنادق هيلتون تنتشر في العالم.

وهو ذكرني برجل عربي مليونير، حصل له تقريباً ما حصل لهيلتون ـ مع الفارق ـ وحيث أن ذلك الرجل كان لونه أسمر داكنا، فقد رفض مدير الفندق استقباله وإنزاله وتصرف معه بطريقة عنصرية بغيضة، واستسلم الرجل وذهب غير أنه حمل هذه الإهانة في نفسه.

وأخذ يسأل ويتقصى عن مالك ذلك الفندق، وأرسل له من يغريه بالبيع، وفعلا قبل مالك الفندق البيع، واشتراه العربي المليونير، الذي أول شيء فعله بعد ذلك أنه طرد المدير الذي أهانه.

ويا ليته اكتفى بذلك واستمر على ملكيته للفندق، فالذي حصل بعد ذلك أنه عرض الفندق رأساً للبيع، وحيث أن (السماسرة) قد عرفوا الملابسات كلها، فقد عرضوا له مبلغاً أقل مما اشتراه به، وباعه فعلا وأخذ يفتخر أمام الجميع قائلا: أنا لا تهمني الخسارة، المهم أنني ربيت ذلك المدير (المغفل) ورددت له الصاع صاعين.

ومما يؤسف له أن المشترين الجدد أرجعوا المدير المطرود للعمل مرة ثانية ـ وكأننا «يا بوزيد ما غزينا».

ومن مفارقاتي التي لا تنتهي أنه حصلت لي نفس المشكلة والإحراج عندما قدمت إلى (ميلانو) في شتاء قارس وفي موسم معارض ولففت على الفنادق والبنسيونات طوال الليل لكي أجد غرفة تضمني وتحتويني دون جدوى.. وتمنيت ساعتها لو كان لدي أموال هيلتون أو الثري العربي، لكنت ـ أقسم لكم بالله ـ اشتريت بنسيون امرأة سليطة لم تعتذر لي بأنه لا توجد لديها غرفة، وإنما تلفظت نحوي بألفاظ يعاقب عليها القانون.

لو كان بمقدوري أن أشتري ذلك البنسيون لاشتريته، وساعتها لن أطردها وإنما سوف (أعلقها من كراعينها).

***

ملاحظة: كان من المفروض أن ينتهي المقال عند كلمة (كراعينها)، ولكنني أردت أن أقول لكم بقلب يكاد يتفطر: إنني بعد أن نزلت أركض وألهث، وإذا بي أتفاجأ أن المدعوين الأنذال قد غادروا الفندق وتركوني دون أن أعرف عنوان المكان.

والآن لم يبق لي إلا أن أغني: وينك يا درب المخدّة، بدلا من أغنية: وينك يا درب المحبّة.

[email protected]