احتكموا إلى الشعب الأميركي

TT

تعرفت إلى الدكتور علي الدباغ الناطق باسم الحكومة العراقية في دبي. وفاجأني أن يكون للحكومة العراقية ناطق رسمي واحد باسمها. والمفاجأة الثانية كانت في أن الناطق «الرسمي» قابل للنقاش ويضحك للملاحظات ولا يفرض نوعية الأسئلة التي تريد الحكومات العربية أن تخطر في بال الناس.

يزاملنا الدكتور الدباغ أيضا في «الشرق الأوسط»، ويكتب بأسلوب اقرب إلى الصحافة منه إلى الناطقين الرسميين. وهو يعرض في مقال يوم الثلاثاء الماضي (10 حزيران) لما تطلبه الولايات المتحدة في الاتفاقية التي تريد عقدها مع العراق، قائلا: إن العراقيين يرفضون أي «اتفاق إذعان». وأبادر بالاعتذار إلى الكاتب لأن أي اتفاق بين قوة عسكرية محتلة هو اتفاق إذعان وعقد لاغ في الأساس، لأن الفريق الأول في هذا العقد يضع مسدسه على الطاولة. وهناك أغنية مكسيكية شعبية تقول: «أنا لا أفرض شيئا، إنما أضع مسدسي إلى وسطي وأتقدم بالاقتراحات».

كل اتفاق مشكوك فيه على الصعيد الوطني يحتاج إلى تبرير يغطيه. لذلك استعار أنور السادات من تشرشل تعبير «سلام الشجعان» لكي يمهد لاتفاق كامب ديفيد. ولكن من التفاصيل التي يعرضها الدباغ ويرفضها، يتبين أن أميركا جورج بوش لا تعرض اتفاقية إذعان على الإطلاق، بل اتفاق «أوف شور» يتحول العراق بموجبه إلى برمودا أخرى، لا مهمة لديه سوى إعفاء الشركات الأميركية وأصحابها من الضرائب.

كان أول ما فعله عبد الناصر بعد الثورة هو إلغاء «الامتيازات» التي كانت تقضي بأن يعامل الأوروبيون في مصر بقانون خاص للأسياد ويبقى القانون المصري للعبيد. وبين تأميم قناة السويس وبناء السد العالي اعتقد أن مرسوم إلغاء الامتيازات كان هو الأهم. والشيء الآخر الذي تذكرنا به بنود العرض الأميركي هو اتفاق 17 أيار الذي عرضته إسرائيل على لبنان. فقد كان ينص على أن تبلغ إسرائيل بنسبة الأوكسجين الذي نتنفسه في اليوم ونسبة ارتفاع المياه في الأنهر آخر الشتاء لكي لا يهدد ذلك أمنها.

طبعا الاتفاقية لن تعرض على الشعب العراقي للاستفتاء لأن الديمقراطية الأميركية لا تطرح العقود مع الدول المتخلفة على البحث. ولدي اقتراح ساذج وبسيط: اعرضوا بنود الاتفاقية على الشعب الأميركي ومؤسسات حقوق الإنسان. وقولوا لنا ماذا قبل منها وماذا رفض.