أوباما على ضفاف النيل

TT

ربما تضع هذه المقالة أوباما في مأزق، ولكنها ليست مشكلتي. فأنا لا أستطيع أن أكذب: إن الكثير من المصريين هنا في القاهرة ومسلمين عرب آخرين يحبونه حقا ويأملون في فوزه بالانتخابات الرئاسية.

لقد سنحت لي الفرصة لمتابعة العديد من الانتخابات الأميركية من الخارج، ولكن كان وجودي في مصر أثناء اختيار باراك حسين أوباما مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الولايات المتحدة أمرا موحيا على غير العادة.

وبينما يؤكد أوباما، الذي نشأ على المسيحية، للشعب الأميركي باستمرار أنه ليس مسلما، إلا أن المصريين متعجبون ومتحمسون ومتلهفون لأن أميركا قد تنتخب رجلا ذا بشرة سمراء تعود جذور عائلة والده إلى أصل إسلامي. وهم لا يعرفون شجرة عائلة أوباما، ولكنهم يعرفون أنه إذا كانت أميركا ـ على الرغم من هجمات مسلحين مسلمين عليها في الحادي عشر من سبتمبر ـ ستنتخب رئيسا اسمه الأوسط «حسين»، فهذا يعني تحولا كبيرا في العلاقات بين أميركا والعالم الإسلامي.

ويبدو أن جميع الحوارات انتهت بسؤال من الشخص الذي كنت أحاوره: «والآن، هل من الممكن أن أسألك سؤالا؟ أوباما.. هل تظن أنهم سيدعونه يفوز؟» (كان السؤال دوما «هل سيدعونه يفوز» وليس «هل سيفوز»). لن تكون مبالغة إذا قلت إن اختيار الديمقراطيين لأوباما مرشحهم الرئاسي قد حسّن من صورة أميركا في الخارج (وهي الصورة التي شوهتها الحرب على العراق، وذكر الرئيس بوش لحرب صليبية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وسجن أبو غريب، وغوانتانامو، ومعارضة إدارة شركة موانئ دبي العالمية للموانئ الأميركية بسبب الخوف) أكثر مما فعلته الجهود الدبلوماسية لإدارة بوش في سبعة أعوام. وبالطبع، يشعر المصريون بالاستياء تجاه أميركا، وسيظلون كذلك بغض النظر عمن يكون الرئيس، ونحن أيضا لدينا بعض أسباب الاستياء تجاههم. ولكن في بعض الأحيان، تفعل أميركا شيئا غير عادي، شيئا لا يمكن لمجتمعات تقليدية ومنغلقة مثل مجتمعات الشرق الأوسط أن تتخيله؛ والذي أحيا اسم أميركا الثوري في الخارج بشكل لا يمكن لأي دبلوماسي أن يخطط له.

كنت أتناول العشاء في مطعم بجوار النيل مع مسؤولين مصريين. كان المسؤولان المصريان متحمسين لترشيح أوباما، لأن هذا قد يعني أن وصف أي شخص بالمصلح «المؤيد لأميركا» لن يكون إهانة هنا، كما كان في الأعوام الأخيرة. وكما قال لي دبلوماسي أميركي: إن سلوك أوباما يوحي للأجانب بأنه لن يستمع فقط إلى ما يقولون، بل سيأخذه في الاعتبار. وهم يتوقعون أنه إذا جاء رئيس أميركي قضى جزءا من حياته ينظر إلى أميركا من الخارج ـ مثلما فعل جون ماكين عندما كان أسيرا في فيتنام ـ فسيكون أكثر تكيفا مع الاتجاهات العالمية.

نعم، كل هذا الهوس بأوباما زائد عن الحد، سوف ينتهي حتما إذا فاز بالرئاسة وبدأ في اتخاذ قرارات صارمة أو ارتكب أخطاء كبيرة. ولكن الآن، يتضح إلى أي مدى ما زال الأجانب يتطلعون ـ على الرغم من قسوة سنوات حكم بوش ـ إلى «النموذج الأميركي»، هذا المكان المنفتح والمتفائل والثوري، الذي يختلف جذريا عن مجتمعاتهم.

ففي كتابه عن تاريخ أميركا في القرن التاسع عشر، «ما الذي صنعه الرب»، نقل دانيال والكر هوي عن رالف والدو إيمرسون قوله في اجتماع لهيئة المكتبات التجارية عام 1844 أن «أميركا هي دولة المستقبل. إنها دولة البدايات، والمشروعات، والتصميمات الضخمة، والتوقعات».

هذه هي أميركا التي ابتلعتها الحرب ضد الإرهاب. وهذه هي أميركا التي يريد الكثيرون عودتها. ليست لدي فكرة ما إذا كان أوباما سيفوز في انتخابات شهر نوفمبر (تشرين الثاني). وسواء فاز أم لم يفز، فإن مجرد ترشيحه قد فعل شيئا شديد الأهمية. لقد فاجأنا أنفسنا وفاجأنا العالم، وبذلك ذكّرنا الجميع بأننا ما زلنا دولة البدايات الجديدة.

* خدمة «نيويورك تايمز»