قمامة تشيني

TT

إن الأمور تزداد تعقيدا. ففي الأسبوع الذي فاز فيه رجل أسود بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة، فإن نائب الرئيس الجمهوري الأبيض قد أجبر على الاعتذار بسبب مزحة قالها حول ولع البيض الفقراء بالجنس مع أقربائهم.

وربما لم يكن للأمر أهمية كبيرة إذا لم يشر ديك تشيني إلى ويست فرجينيا، وهي أكثر الولايات الجمهورية التي يسكنها المنتمون للحزب الديمقراطي.

وقد عارض المسؤولون في ويست فيرجينيا ملاحظات نائب الرئيس. كما استنكر السيناتور الديمقراطي روبرت بيرد تعليقات تشيني قائلا: «إن ذلك جهل وقلة احترام لمواطني بلده». لكنه وغيره من السياسيين كانوا متأثرين باستهداف ولايتهم أكثر من استهداف البيض الفقراء. وقد أظهرت هذه المزحة من نائب الرئيس الذي لا يعرف عنه المزاح وفي ذلك العام الذي يشهد الانتخابات الرئاسية، كم يمكن قبول الحط من شأن البيض الفقراء الذين يعيشون في الجنوب. ولكن لماذا؟

ولنفكر في الأمر بهذه الطريقة: ماذا إذا سخر سياسي أسود من السود الفقراء؟ أو إذا سخر مسؤول لاتيني من اللاتينيين الفقراء؟ لا شك أنه كان سيجابه بمعارضة شديدة. وفي واقع الأمر، فإن السياسيين وغيرهم من السود واللاتينيين الذين ينتمون إلى الطبقة العليا يتحملون مسؤولية تحسين أوضاع الفقراء بينهم. فلماذا إذاً يسمح للبيض من أمثال تشيني أن ينأوا بأنفسهم عن البيض الفقراء؟ أليست مسؤوليتهم أن يقوموا برفع مستوى معيشة هؤلاء الفقراء؟

ويبدو أن مصطلح «القمامة البيضاء» قد ظهر في العشرينات من القرن التاسع عشر في بالتيمور. وقد كان مصطلحا عاميا، يستخدمه الأحرار والعبيد من السود، ليحطوا من شأن البيض الفقراء حيث كانت هناك منافسة بين الفريقين. وبعد ذلك استعار البيض الأثرياء هذا المصطلح لأغراضهم الخاصة والتي من بينها تمييز الطبقة الاجتماعية الخاصة بهم. وقد بدأ هذا الأمر بسبب فكرة أن السود أقل مكانة من البيض، وهي الفكرة التي نشأت لتبرير العبودية وترسيخ فكرة رقي الجنس الأبيض. وفي مجتمع الجنوب قبل الحرب الأهلية، كان وجود البيض الفقراء وغير المتعلمين يمثل مشكلة لمناصري العبودية.

وبحلول الخمسينات من القرن التاسع عشر، وجد البيض الفقراء أنفسهم متورطين في الجدل الدائر حول العبودية. وفي عام 1854، افترضت مؤيدة إبطال الاسترقاق، هارييت بيتشر، أن طبقة «القمامة البيضاء» كانت ضحية للعبودية حيث كانت طبقة المزارعين تحتكر الأرض وتضطهد البيض الفقراء. وقد رد مناصرو العبودية بأن سوء حال البيض من الفقراء ليس سببه العبودية، وإنما سببه هو تلوث دمائهم التي تجري في عروقهم.

وبعبارة أخرى، فلكي يتم الحفاظ على تفوق الجنس الأبيض، فإن الطبقة الراقية من البيض كان عليها أن تباعد بين هؤلاء البيض الفقراء وبين بقية أبناء الجنس الأبيض. فهؤلاء كانوا بيضا في اللون فقط. وذلك مثلما هو الشأن في اعتبار كل من يحمل بعض الدم الأفريقي، أسود. ويقول مات راي، وهو عالم اجتماع في جامعة تمبل: «لقد كان مصطلح القمامة البيضاء يعني أن هؤلاء الفقراء من البيض لم يكونوا يتصرفون بالشكل اللائق بجنس راق».

وبانتهاء القرن الماضي، كان علماء تحسين الأنسال يقومون بدراسة الفقراء البيض في المناطق الريفية وكانوا يسجلون العيوب الاجتماعية التي كانوا يعانون منها. وقد ربطوا بصورة حمقاء بين فقر البيض في الجنوب و«صلتهم» أو مشاركتهم لدماء الأجناس الأخرى. وقد انتشر هذا المفهوم الغريب وأصبح الفقراء من البيض يوصفون بأنهم غير أذكياء، كما تعرضوا لبرامج تعقيم إجبارية خلال فترة العشرينات من القرن العشرين.

وربما لا يكون تشيني مدركا تماما لكل ذلك التاريخ. لكن مزحته توضح مدى الانقسام العنصري في هذه الأمة ومدى تجاهل هذا الأمر. وقد تحدثنا كثيرا عن الاضطرابات الاجتماعية من الناحية العرقية. وربما يكون قد حان الوقت لأن يصبح شخص أسود رئيسا لهذا البلد حتى تنتهي هذه القضية وأن ننظر إلى المستقبل أمامنا.

* كاتب عمود في صفحات الرأي بجريدة «التايمز» وهو مدير لبرنامج أصدقاء كاليفورنيا في مؤسسة أميركا الجديدة.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الأوسط»