موازين القوة.. تتغير!

TT

«امبريار» شركة تصنيع الطائرات البرازيلية التي احتلت أخيرا المرتبة الثالثة في هذا القطاع الحيوي المهم بعد شركة «بوينج» الأمريكية وشركة «ايرباص» الأوروبية، تبين لنا أن هناك لاعبين جددا في الملعب الدولي.

فلو نظرنا لأهم المؤسسات الدولية وتركيبة الأعضاء والعناصر المؤثرة فيها، لتبين لنا أن الوضع غير واقعي. فالأعضاء الدائمون في مجلس الأمن ليس بينهم اليابان ولا ألمانيا، وهما صاحبا الاقتصاد الثاني والثالث في العالم، ولا الهند صاحبة الديمقراطية الأكبر عددا، ولا أي دولة أفريقية أو من دول أمريكا اللاتينية. وكذلك دول مجموعة الثماني المعروفة بـG8 لا تتضمن في عضويتها الصين، التي تملك رابع أكبر اقتصاد في العالم، ولا الهند ولا كوريا الجنوبية صاحبي الاقتصاد الثاني عشر والثالث عشر بالترتيب. وكذلك صندوق النقد الدولي دائما ما يترأسه شخصية أوروبية، والبنك الدولي تقوده شخصية من الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا «التقليد» هو تقليد غير عادل. وقد يكون مقبولا للأعضاء ولكنه حتما مثير للاستغراب لمن هم خارج الإطار التنفيذي.

وتنعكس هذه الصورة بشكل أكبر خلال «صراعات» مباحثات التجارة الدولية والدفاع المستميت للدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا عن حصصها الزراعية ورفضها المساس بالدعم والمعونة، وهي المسألة التي تمنح هذه الدول ميزة تنافسية وتفاضلية غير عادلة على حساب دول مهمة ومؤثرة كتشيلي والأرجنتين وجنوب أفريقيا وإندونيسيا وماليزيا. وهذا النوع من التعامل سيؤجج مشاعر «الوطنية» على حساب «التوافق ما بين الدول»، الذي تنشده العولمة في حراكها المستمر. فهناك إحساس «بالظلم» تشعر به روسيا والصين إزاء التعامل، واستمرار إثارة قضايا خاصة بهما دون دول أخرى.

فمثلا يستغرب الصينيون استمرار التركيز على ملف حقوق الإنسان ومخالفاته في بلدهم مع إغفال تام للتجاوزات التي تقوم بها دولة إسرائيل بحق الفلسطينيين، وكذلك روسيا تستغرب إثارة ملف الديمقراطية بها والمخالفات الانتخابية، بينما تزخر الانتخابات الأمريكية بأمثلة عديدة للمخالفات والتجاوزات التي تمارسها جماعات الضغط بشكل لا يمكن إغفاله ولا إنكاره. وكلا البلدين يعترضان بشدة على الضغط الممارس من قبل الدول الصناعية الكبرى بحقهما من خلال طرح المخالفات البيئية وإثارة قضاياها، واتهام الصين وروسيا بأنهما تلوثان العالم، متناسين أن الغرب هو الذي قام بذلك في المقام الأول، فكيف يسمح للغرب بما لا يسمح لها به، وهو الذي أدى إلى ازدياد ملحوظ وكبير في التقارب بين روسيا والصين في أصعدة مختلفة.

ولعل ازدياد الزوار بين البلدين بعضهما البعض نقطة داعمة لهذا الرأي (ففي عشر سنوات فقط ارتفع عدد الزوار الروس إلى الصين من 489 ألفا في عام 1995 الى 2.2 مليون في عام 2005). دول، كالهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك وكوريا الجنوبية، أصبحت المحرك الأهم اليوم للحراك الاقتصادي، ومراقبة حصصها المتنامية من براميل البترول قد يبين لنا ويفسر أسباب استمرار الارتفاع في أسعار النفط. فحصة الفرد الواحد في أمريكا سنويا يبلغ معدلها 25 برميلا وفي الهند وفي الصين يبلغ المعدل السنوي الحالي برميلين للفرد الواحد. ولكن حين يذكر عدد سكان هاتين الدولتين العملاقتين سيفهم الوضع بشكل أفضل. موازين القوى تتغير وهناك إعادة ترتيب للأوراق: ايطاليا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا ستأخذ المقاعد الخلفية فورا حتى يحل محلها اللاعبون الجدد.

[email protected]