تغير مفهوم الأمن ولم تتغير إسرائيل

TT

ابناء العم في الجوار يفرقون بين اللعب التكتيكي والعمل الاستراتيجي، بعكس اخواننا العرب الذين يخلطون بين خلاف وقتي وقضايا تمس بالأمن، ويضحون بالكبير في سبيل هدف صغير.

منذ زمن بعيد رسم الاسرائيليون خطوطهم الحمراء والزهرية، ومنذ قريب ولدت حقائق جديدة لا يستطيع أحد أن يتجاهلها. من عهد الجيوش النظامية الثقيلة المكشوفة الى زمن التنظيمات التي تدار عن بعد. زمن تبدلت دوائر النزاع، حيث اصبحت ايران طرفا له حسابات زادت الساحة تعقيدا، تصر على بناء سلاحها النووي. وظهرت تنظيمات بديلة اكثر سرية تعرف ان الجائزة الكبرى في الهجوم على اسرائيل.

الدولة اليهودية فقدت في كل حروبها 24 ألف شخص فقط، ثمن صغير في ستين عاما وخمس حروب كبيرة، وحالة صدام لم تتوقف قط. اليوم نحن نتجه نحو المحرقة، تقدر ارقام ضحايا اسلحة التدمير الشامل في ليلة واحدة، ربما اكثر من ضحايا الستين عاما الماضية، بفضل التقنية العسكرية المتوفرة في السوق السوداء وسباق التسلح والتوتر المستمر بين دول المنطقة.

فالصواريخ الباليستيه والاسلحة الكيماوية لم تعد نظريات، بل ضمن مخازن سلاح المنطقة، واستخدامها مجرد وقت ليس الا. كل هذا امر يعرفه الاسرائيليون لكنهم يرفضون الاعتراف به ويماطلون في التعاون على حل القضايا المعلقة.

لقد تغيرت اسرائيل نفسها، وتغير العالم العربي ومحيطه، لكن بكل أسف لم يغير الاسرائيليون عقليتهم.

فما يراه العالم من مماطلة في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية دليل صارخ على ان القيادة الاسرائيلية تتخيل ان الفلسطينيين سيظلون مجرد ورقة مساومة مع قوى المنطقة، كما كانت تفعل في الماضي، خاصة مع انشقاق حماس وفوضى لبنان، واستعداد سورية للتفاوض الفردي بهدف اضاعة الوقت، او فقط ترتيب العلاقات، اكثر من كونه يهدف الى حل أي قضية سواء ارضا او لاجئين.

اسرائيل دمرت كل الفرص الحقيقية بدعاوى امنية، وساعدتها الاطراف الاقليمية التي ارادت تصفية حساباتها الضيقة. تجاهلت المبادرة العربية رغم تميزها وشمولها وعبثت طويلا مع السلطة الفلسطينية التي جاءت راغبة في حل حقيقي.

المضحك ان اسرائيل كانت تقول في الماضي ان سر تفوقها على العرب يقوم على اثنتين، قوة نوعية وقيادة مميزة. اليوم القوة النوعية باتت متاحة حتى لاصغر التنظيمات، التي تقدر على اطلاق الصواريخ مئات الكيلومترات، من دون ان تقدر اسرائيل على منعها، وزعامات اسرائيل السياسية اليوم في قاع الحضيض من رئيس للجمهورية متهم بالتحرش ورئيس حكومة استثنائي في ضعفه ويواجه محاكمة قريبة.

وبكل أسف فإن الولايات المتحدة التي استسلمت لخارطة الدوائر الامنية الاسرائيلية، ومفهومها القديم، عرضت كل المنطقة للخطر.

[email protected]